رحلتي في ترسيخ المبادئ وتحديد قيمي الشخصية

ذكرت في تدوينة بداية النهاية أنّ أكثر ما كنت أفكّر به منذ أكثر من عام هو قيمة الجودة وهي من القيم المهمة في حياتي، وكنت أطبقها دون وعي بالمسمّى الذي يشملها رغم معرفتي له وفقط كنت أوزن الأمر بجملة الكيف أهم من الكمّ وأمضي.

ما سأكتب عنه اليوم هو من الأمور التي أسعى بها وتشغلني تقريباً منذ نوفمبر 2019! وهذا بالمناسبة وقت قصير تستغرقه للبحث في داخلك، والتعرف على نفسك، وفي البحث عن معاني حقيقية لمفردات تشكّل لك درجات ثابتة في سُلّم قيمك. لكن قبل هذا كله هل تعرف ماهي مبادئك وقيمك؟ أم أنّك استخدمت سُلّم المبادئ والقيم الذي وجدته أمامك؟ أو استعرته من أحدِ حولك دون أن تأخذ وقتك في النظر لعتباته والتأكد من ثباتها؟ هل أوهمت نفسك بالتحلّي بقيم لم تُطبّق منها شيء فقط لأنها تعجبك؟ هل قيمك تناسب مقاس روحك أو طموحك أو ما تريد أن تعيشه حقاً؟

Julia Schigal

تقريباً منذ أبريل 2023 وأنا أعيش في حالة إحباط، وغضب وعدم راحة على جميع الأصعدة، بل أنّي في كل مرة أوضّح بها حدودي، ما يزعجني، وما هو غير مقبول (أي أتصرف بنضج وبوضوح) يظهر تفنن الآخرين بتجاوزها وفعل كل ما يزيد غضبي اشتعالاً! مما يزيد من إحباطي وحزني. أصبحت لا أعلم هل حين أتحدث ينطق لساني بلغة بيزنطية بالتالي لا يفهم المقابل لي ما أقوله؟ أو ما أريده؟ أم أن رؤيتي بهذه الحالة تعجبهم وعبارة عن فعالية مضحكة لهم؟

وُصِفت بالعدوانية، والسلبية، ومشخصنة الأمور، والقاسية، وعديمة القلب والإحساس ومن تسببت في زيادة الاحتباس الحراري واتساع ثقب الأوزون والكثير من الأوصاف التي أعلم يقين العلم بعدي عنها.

ولأن نيوتن يقول لكل فعل رد فعل مساوي له بالمقدار ومعاكس بالاتجاه، ولأن النار لا تحرق إلا رجل واطيها، وبعد أن وصلت لأقصى حد من الاحتمال؛ وقفت بالمرصاد لكل شخص انتهك قيمي الشخصية. واجهت كل شخص استهتر بي واعتبر هدوئي وصبري مسلّماً به، للقريب قبل البعيد لأنه لا يكلف الله نفساً إلّا وسعها.

واجهت الطبيبة التي تعالجني وهي ماهرة في تخصصها، فقط لأنها (لطعتني) 4 ساعات في الانتظار وتجاهلت موعدي المحدد مسبقاً لأني لست حالة طارئة كما قالت! لم تكرر فعلتها هذه مرة ثانية معي، بل أنها افتتحت عيادة جديدة في يناير وعزمتني على حفل الافتتاح!

غشني مندوب أتعامل معه في شراء أدوات المعمل بشكل مستمر، وحين فتحت الفاتورة تفاجأت أن السعر لكرتون يحتوي 1000 قطعة وما أحضره كرتون 500 قطعة وحين سألته أصبح يتلكئ بالكلام ويتحجج هذه صناعة كورية وتلك صناعة صينية وحين أخبرته أني سأخبر كل من في المعمل بالأمر وهذه أخر مرة نشتري منك قال خلاص أجيب لك كرتون ثاني وأخصم لك وفعل! وبالطبع أخبرت من في المعمل ليدققون في فواتيرهم.

حاول باحث دكتوراه التذاكي علي وأخذ عينات خاصة ببحثي ليعمل عليها بحث ما بعد الدكتوراه مع مشرفينه، تحت حجة التعاون العلمي؛ وحين وضعت شروطي على الطاولة رفض وقال لي You have to contribute in the lab as all students ضحكت وقلت له: أنا أحدد بماذا أساهم في معمل مشرفي الذي لا تود إضافة اسمه على البحث أو حتى أن يعرف عنه مو أنت.. وما شفت إلا غباره.

اشتكيت على مجموعة تجارية في وزارة التجارة بعد أن تجاهلوا لأكثر من ثلاث أيام كل محاولاتي في التواصل معهم وقبل مرور 24 ساعة على الشكوى وخوفاً من الغرامات؛ تواصلوا معي عن طريق ممثل من الوزارة وحلّو الأمر.

هذه فقط نبذة بسيطة عن الأشياء التي أشعلت غضبي من أبريل الماضي إلى هذه اللحظة ولا الخير واجد! طوال هذه الفترة كانت جملة (يستفزونك ليخرجون أسوأ ما فيك ثم يقولون هذا أنت) تعبّر عن حالي. حين أدركت أن هذه التصرفات تضرب وتهدد قيم مهمّة لديّ استطعت أن أفهم لماذا وصفني الآخرين بأوصاف ليست بي؟ لماذا كانت هذه التصرفات والأفعال تثير غضبي، بل جنوني أحياناً إذا ما كان مصدر هذا التصرف من شخص قريب ويعرف ما لا أقبل به ويفعله.

القيم: هي ما يشكّل قيمة لديك وأولوية ملحّة بداخلك وغالباً قيمك الأولى والأساسية تولد معك وهي التي تحدد هويّتك وتميّزك عن أي انسان آخر. هي المعاني التي تعيش لأجلها وتشعرك بالراحة والسعادة والرضا عن نفسك. القيم الشخصية تمثّل إلحاح داخلي تحتاج أن تشبعه في نفسك وبدونها تشعر بالاضطراب، التعاسة، الحزن، الغضب، الإحباط، والملل. هي غير ثابتة لدى كل إنسان وهي سبب اختلاف الشخصيات بين البشر والخلاف كذلك! تستطيع تغييرها وإعادة ترتيبها بحسب مجريات حياتك. وهنا أود أن أنبه على شيء مهم للغاية القيم لا تحدد بالمنطق، بل بالمشاعر فضع عقلك جانباً حين تحددها واستفتِ قلبك.

الأدوار: هو ما يجب عليك فعله، المسؤولية التي تقع على عاتقك وهي ثابتة إلى حد كبير. دورك كابن تجاه والديك، زوج تجاه زوجتك والعكس، وكوالد تجاه أبنائك، وكأخ تجاه أخوتك هذه واجبات لا تنفك عنك إلا بانتفاء حاجتهم إليك، والتي حتى وان اختلفت مع الزمن يبقى الدعم المعنوي واجب عليك القيام به.

الأولوية: وهي متغيرة بحسب ما يجب عليك عمله والتركيز عليه في هذه اللحظة ويدخل في ترتيبها قيمك الشخصية، بالنسبة لي أفضل طريقة لتحديدها هي استخدام مصفوفة أيزنهاور من خلال تحديدها تعرف تماماً كيف تتحكم في يومك، أسبوعك، شهرك وعامك.

في البدء كان لديّ خلط كبير ما بين المبادئ والقيم! كثير مما كنت أعتبره قيم أساسية لديّ ظهرت في الأصل مبادئ. وحتى أسهّل في التفريق بينهما سأستخدم ما قاله د. عبدالله هادي في هذه المحاضرة الثمينة والمفيدة بشكل لا يمكنك توقعه! حيث أنّي وجدت ضالتي في جملتين قالها:

فاكتشفت أن معظم ما أقول عنه هذه هي قيمي في الحياة هي بالأساس مبادئ! أي أن 90% من الأمور التي كانت تنجح في إغضابي وحرق روحي كانت تتحدى وتختبر مبادئ أساسية لديّ، وكانت تهدم في حجر الأساس الذي أقف عليه! أي أن كل ذلك الغضب كان ضجيج للهدم الذي يحدث بداخلي، والذي أثّر بي بشكل يفوق التخيّل نفسياً وجسدياً، بل أنّه أثّر بي أضعاف أثره على كل من امتد له هذا الغضب.

إيعاز المبادئ للدين ذكرني بعدّة أشياء مهمة أولها حديثين للرسول عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وحديث (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم؟)، والضرورات الخمس التي يجب الحفاظ عليها وهذه جميعها أساسيات في الإسلام تساعدك في تحديد وضبط المبادئ التي تعيش وفقها وماهو مقبول ومرفوض لك.

مثل المبالغة بالسعي وراء المال إذا لم يكن هذا السعي مربوط بغاية سامية مثل إسعاد وتوفير حياة كريمة لك ولمن تحب سيكون حالك مثل الذي (يحسب أنّ ماله أخلده)، المبالغة في الحريّة دون اكتراث بمن حولك وجلب الضرر لهم وتجاهل حقيقة أن حريتك تقف عند حرية الآخرين، المبالغة بالعطاء دون أن تعي أنك تقصّر في حق نفسك وتظلمها لأنك تحب بذل الخير، أو أن يكون الإبداع قيمة لديك لكنك تؤدي عملك باعتيادية وروتين وتلبس ملابس عادية لا تشبهك فتسبب ضمور لهذه القيمة دون أن تعرف فتتحول لقنبلة موقوتة دون أن تعلم! الأمثلة كثيرة ولا تنتهي.

تستطيع أن تبحث في جوجل عن قوائم للقيم الشخصية وعددها يفوق 200 قيمة! يوجد في الرابط المرفق مجموعة للقيم مرتبة بحيث يسهل قراءتها والاختيار منها. وبعد اطلاعي على القائمة وجدت أنها مختلطة بالكثير من المبادئ! لذلك ضروري أن تجلس مع نفسك وتحدد مبادئك بالورقة والقلم ثم تطلع على قوائم القيم المنتشرة في الإنترنت وتختار منها ما يمثلك وأي قيمة ستطبقها وتعيشها في حياتك، سيستغرق منك وقتاً لكن الأمر يستحق.

بتوجيه عدد من الأسئلة لنفسك والإجابة عنها، تتدرج هذه الأسئلة في العمق فتبدأ بسيطة إلى أن تجد نفسك غارقاً بسؤال وجودي أو أكثر.

الطريقة الثانية أن تسأل نفسك عن النماذج الذين تتمنى أن تكون مثلهم؟ ولماذا؟ ما الذي يلفتك بهم؟ يفضل أن يكونوا أشخاص من واقعك وتعرفهم جيداً. لأن المشاهير قد يلبسون شخصية (persona) غير حقيقية لترويج أعمالهم فمصداقيتهم مشكوك بها.

الطريقة الرابعة الخيال، لو كنت تملك المال، الجهد، الوقت ما الذي ستفعله بحياتك؟ كيف ستقضيها؟

أي قيمة تعد قيمة عليا لك؟ توجد عدة مستويات لتحديدها، فمثلاً من جداول القيم صنّف القيم بحسب المشترك بها أو ما يجمعها (الحرية، المغامرة، الاستقلالية)، (الرعاية، العطاء، المشاركة)، (الإنجاز، الطموح، التعلّم، التطوير) تصنيفها بحسب ما هو مشترك بينها يسهل عليك اختيار مجموعة كبيرة متنوعة من القيم قبل أن تبدأ بمراحل الفرز المتقدمة التي لن يكون بها إلا ما يمثلك فعلاً! الهدف أن تنتقل للخطوة التالية وأنت لديك 10 قيم. ممكن يكون عددها أكثر لكن سيصعب عليك حينها الفرز.

إذا كتبت 10 قيم.. اختر 7 منها.. ثم اختر 5 من 7.. ثم اختر 3 من 5.. ثم اختر واحدة من الثلاثة بالاستثناء تستطيع أن تعرف ماهي القيم التي لن تتنازل عنها ويساعدك الأمر في ترتيبها ولن يبقى إلا القيم الحقيقية لك.

يمكن أن ترتبها بالمقارنة بينها وتوجد أكثر من طريقة بالنسبة لي أحببت طريقة د. سمية الناصر في فرز القيم من خلال مصفوفة القيم، سواء كنت تتفق تختلف مع هذه السيدة يوجد في قناتها معلومات لا تقدّر بثمن! خذ منها ما يناسبك. الطريقة مشروحة في هذا الفيديو.

من طرق الفرز أن تستخدم مقياس الألم من 1 – 10 وتسأل نفسك أي قيمة لو فقدتها ستشعر بسببها بالألم؟ وتضع رقما لا تكرره لأي قيمة أخرى. فمثلاً أنا إذا فقدت التقدير أشعر بألم 10\10، وإذا فقدت الوضوح اتألم بمقدار 8\10. ما يساعدك في تحديد درجة الألم هو معرفة سبب الألم. فمثلاً إذا غاب الوضوح عني يصبح لدي، صعوبة في الفهم، في اتخاذ القرار والحسم، انعدام للسكينة والراحة، كراهية شديدة للمفاجأت والترقب، زيادة للتوتر، وووو القائمة تطول.

الطريقة الرابعة هو أن تأتي بكل قيمة وما هو ضدها وتسأل نفسك هل تستطيع أن تعيش مع هذا الضد؟ هل تستطيع العيش بفقدك لهذه القيمة؟ الضد ليس بشرط أن يكون النقيض فمثلاً قيمة التعلم عكسها يكون التوقف عن التعلم؛ فتسأل: هل بإمكانك العيش بهذا القدر من المعرفة؟ نعم التعلّم ليس من قيمك، لا التعلّم من قيمك.

ينقسم أغلب البشر لقسمين الأول لا يعيش قيمه ولا يعرفها والثاني يعيشها بدون مبادئ تضبطها. كأن يكسب المال بصورة غير شرعية لأن المال قيمة له، أو يكون الإنجاز من قيمه فيتسلق على نجاح الآخرين ويسرق جهودهم، أو يكون التحدي من قيمه فيبدأ بتحدي من حوله بدلا من تحدي الصعوبات التي تواجهه. لذلك أفضل طريقة لتوظيف القيم هي أن تعيشها تحت مظلة المبادئ بحيث تراقب قيمك من خلال مبادئك.

أبحث عن أشباهك إذا أردت أن تطبّق قيمك، ولا تكن قريب من أشخاص مختلفين عنك في القيم أو المبادئ. لذلك أحط نفسك بأشخاص يشتركون معك في نفس القيم، ونظم معهم برامج ومشاريع تعزز منها لديكم. ليس بالضرورة أن يكون شيء كبير يكفي أن تعرف أن شخص يشاركك قيمة الدهشة فترسل له مقطع أو فيلم تعرف أنّه سيدهشه.

كتابة قيمك العشرة أو السبعة في مفكرتك وجعلها أمامك في كل لحظة حتى لا تتهاون في السعي لتحقيقها.

تحديد القيم وتطبيقها يخرج أفضل ما في الانسان! ستكون منسجم ومتناغم مع نفسك. الشعور بالإشباع، بالسعادة، بالسكينة، بالرضا والراحة والسلام. لأنك تسعى في تحقيق قيم سامية لديك وتغذي روحك وتلبي ما تطلبه بطريقة سليمة غير مؤذية لك أو لغيرك لأن كل ميسر لما خلق له. عيشك لهذه القيم سينعكس على شخصيتك، سلوكك، مظهرك، وتصرفاتك. ستكون إنسان حقيقي وحيّ! بالتالي عدم عيشها لجهلك بها أو لما تواجهه من تصرفات الآخرين معك يخرج نقيضها منك.

أختم هذه الجزئية بجملة قالها د. عبدالله وأعجبتني جداً، كل انسان له عينان، فاجعل دائماً عين على قيمك وعين على قيم الآخرين ومن تحب، بدون أنانية وأنا ومن بعدي الطوفان فأنت لا تعيش في العالم وحدك، وإذا كنت تريد أن يحترمك الآخرين ويحترمون قيمك أحترمهم بدورك وساعدهم على عيش قيمهم ليساعدوك على عيش قيمك.

هي القيمة الأولى لدي! لم أتفاجئ من وجود هذه القيمة لكن لم أكن أظنها ستكون الأولى. مقياس الألم وما مررت به هو ما جعلني أتبع صوت قلبي تجاه هذه القيمة فأصبحت الأولى؛ ربما إذا كررت المقياس نهاية العام يتغير ترتيبها.. لا أعلم حقاً. استغفالي، ظلمي، الاستهانة والاستهتار بي، بوقتي، بفكري، بعقلي، بذكائي، بجهدي، بصحتي، بمالي، بعملي، بمزاجي، بسلامي الداخلي وسكوني كانت هذه الأفعال عبارة عن دعوة للغضب!

هي القيمة الثالثة ولم يفاجئني الأمر، وأستطيع أن أضعها بهذا الشكل (الوضوح \ الاستكشاف) تحدثت عن أهمية الوضوح لديّ في الأعلى ولهذه الأسباب الاستكشاف مهم لدي. في طفولتي دائماً ما كنت أنهي روايات أجاثا كريستي بجلسة واحدة ويكون معي ورقة وقلم لأكتشف القاتل قبل أن تنتهي الرواية! وأول ما كنت أفعله أثناء قراءة مجلة ماجد هو البحث عن فضولي ثم أقرأ المجلة! ولأني أحب الاستكشاف لا زلت أحدّق بالمجاهر واكتشف الغامض والمثير!

من قيمي العشرة، ولا يقصد بالإنجاز هنا الدروع والتكريم.. مع أني الحمد لله أحصل عليها.. لكن المقصود هو أنّه يكون لديك شيء مُلِّح لن تستطيع أن تجلس مسترخي قبل أن تنجزه! إذا كانت لدي رغبة بالكتابة لن أستطيع النوم قبل أن أكتبها وأنجز الأمر. لا أحب أن أبدأ يومي بعمل أمر مرهق أجلت إنجازه، أحب أن استيقظ مسترخية وما وراي شيء يلح علي من الصباح. هكذا يعني من أبسط الأمور لأعقدها يوجد صوت في داخلي يقول: “يللا انجزي .. اخلصي.. قوام”.

من قيمي العشرة، كل أمر أنجزه فيه جزء مني ومن روحي، حين أصنع قهوتي كل صباح أستمتع بكل خطوة في إعدادها وأشربها بحب، أكتب بحب، حين عدت منذ أسبوع للمشي بعد انقطاع قارب العام عنه.. عدت لأن شي بداخلي قال اشتقت أن أمشي فمشيت، حين اتحدث مع أي شخص أتواجد في اللحظة بكلّي، حين أقرأ كتاب لا يعجبني لا أكمل قراءته لأني لا أستطيع أن أجبر نفسي على ما أكره وإن فعلت ينتهي بي الأمر كارهة لنفسي، ولأني أحب سأنتبه وأركّز في كل من وما أحبه. وبخصوص قيمة الحب أسوأ ما تفعله بحق نفسك لعيش هذه القيمة هو أن تعيشها من خلال تكريسها لشخص آخر، بل أن هذا أقل درجاته. الحب منبعه روحك ونفسك وقلبك وليس شخص يغذي هذا الحب.

هي من قيمي العشرة، انتقائية إلى درجة تثير امتعاض الكثير حولي، متهمة بتعقيد البسيط رغم أني سيّدة السهل الممتنع! لأني أريد الأفضل دائماً وأبداً، لا أفعل أو أعمل أو أرضى أو أقبل بأي شيء رديء ولا أجامل به.. ولنفس الأسباب يروني جديرة بالثقة! أهتم بجودة ما أكل لا أحب معظم الأطعمة المقليّة، لا أكل أي أكل يمتلئ بالصوصات والبهارات، لا أشرب أي قهوة باردة مليئة بالكراميل أو السكر. انتقائية بما أسمعه وما أشاهده وأقرأه ولا أمانع من تكراره طالما أنه جيّد وأحبه.

وهذه من قيمي العشرة، لا أرى هتين القيمتين منفصلتين عن بعضهما، بل هما متداخلتين مثل دائرتي الما لا نهاية ويكملان بعضهما. قبل أن يبدأ برنامج موهبة في مدارس السعودية، كان يسبقه برنامج اسمه (كن مبدعاً) من الفترة 2006-2008 لحسن حظي أني نلت الفرصة وشاركت به، كان يهدف لتنمية عناصر التفكير الإبداعي (المرونة، الأصالة، الطلاقة، التفاصيل). لم أتذكر هذا الأمر إلا منذ شهر أثناء فوضى الكراتين في غرفتي وجدت اسمي على بطاقة البرنامج! جدير بالذكر أنه من الأشياء التي ابتدعتها في طفولتي مشروب حليب بالبرتقال راح ضحيّته خالي، إلى هذا اليوم لم ينس طعمه ويقول أنّه لم يذق في حياته أسوأ منه! << ما لقيوا في الورد عيب قالوا أحمر الخدين.

هي من قيمي العشرة، أحب أن أدهِش وأندهش! أحب كل أمر متقن إلى حد الإدهاش الموسيقى، القصص، الأفلام، اللوحات، صدف الحياة، لحظة الاندهاش بكلمة جديدة أو معنى أو شعور رائع. شعور الدهشة يعيدني لطفولتي للفرح! للقفز! للخفة! هذه الدهشة أعيش لأجلها.

هي من قيمي العشرة كذلك، لا أطلق هذا الوصف على أي أحد ولا أوزعه يمنةً ويسرة، مقدار الألم الذي أشعر به حين يخيب أملي بأي صديق لا أستطيع أن أصفه. لا يستطيع الانسان اختيار والديه أو أخوته أو عائلته، لكنّه يستطيع اختيار أصدقائه. يشاركوني مبادئي وقيمي، بعض اهتماماتي وهواياتي وأحلامي، يثقون بي وأثق بهم، يصْدقوني وأصْدقهم، أستطيع أن أتحدث معهم دون أن أضع فلتر مهما كان الحديث سخيفاً، عميقاً، مضحكاً، صعباً عليّ أو عليهم لأن الكذب والإخفاء يكون للغرباء ليس للأصدقاء، لا أقبل عليهم كل ما لا أقبله على نفسي، أوفر لهم مسافة أمان واحترم حدودهم دون أن يطلبوا، ما يحدث بيننا يبقى بيننا دون تذكير أو وصيّة. يجب أن يعمل كلانا على توطيد هذه الصداقة لأن الجسور لا تُمد من جهة واحدة. في اللحظة التي يسيء بها أي صديق معاملتي أو يتلاعب بي أو يخون عهد بيننا، أعيده غريباً كما كان.

هو كذلك من قيمي العشرة، أكبر دليل أني منذ كنت في الخامسة من عمري إلى هذه اللحظة وأنا أدرس دون أن يجبرني أي شيء أو أي أحد! وبالطبع قيمة التعلم لا تكون بالتعليم الأكاديمي فقط، بل في تعلّم كل شيء يثير فضولك نحو المعرفة ومحو علامات الاستفهام عن عقلك. وأكثر طريقة تستفيد فيها منه، هو أن تزكيّه وتمرر ما تعلمت لمن يحتاج هذه المعرفة.

الكثير مما كنت اعتبره من قيمي بالحياة تأكدت أنها تصنف ضمن المبادئ فرسّختها ورفعت أعمدتها ذكرت بعض منها بالأعلى. مما يعني لا مزيد من مراحل الهدم والولادة من الركام.. فقط تحليق نحو السماء!

عرفت وفهمت نفسي بعمق أكثر، أدركت أنّ لا أحد يعرفني أكثر منّي ومن ربي. وضعت وحدّدت حدودي الشخصية وخطوطي الحمراء بشكل يساعدني في التثبت والتأكد من الصواب والخطأ لي ولغيري. حدّدت أولوياتي وخططي الشخصية وسأستثمر قيمي ومبادئي في تحقيقها والعمل عليها “احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ، ولَا تَعْجَزْ”. عرفت نقاط قوتي وضعفي مما ساعدني في تعزيز القوي منها والعمل على الضعيف منها، إستعدت صفاوة عقلي وفكري، إيماني بي، وحقوقي.

توجد بعض القيم مثل السعادة، السلام، الرضا، السكينة، الالتزام، المسؤولية، العطاء، المشاركة، الصحة أزلتها من قائمة القيم الخاصة بي لثلاثة أسباب الأول لأني أرى أنها تتحقق بتحقق القيم فهي تحصيل حاصل لن أحصل على السلام والسكينة إذا ما كنت مؤرقة بشيٍ ما. السبب الثاني أنه لتحقق هذه القيم ولتعيشها فعلاً يجب أن تلتزم بها وأن تكون مسؤول تجاه تطوير نفسك. أن قيمة الحب لدي جزء منها العطاء والمشاركة، والصحة هي جزء من الجودة بالنسبة لي فتركت الخانات لقيم أولى في هذه اللحظة.

لم أضع المال من قيمي ولا أعرف هل يعد هذا ذكاءًا أم حماقة؟ لكن لدي وجهة نظر نادرة في المال في هذا الزمن ولا تصلح له، وليس للزهد علاقة بها وربما أغيّرها وأضيفها لقيمي يوماً ما. المال بالنسبة لي وسيلة توصلني لغاياتي بالحياة، أستطيع أن ألخّص الأمر في جملة واحدة (أنا لا أسعى للمال.. أنا أسعى خلف الأشياء التي أحب وهي ستأتيني بالمال!).

توجد عدّة كتب قرأتها أو لنقول درستها خلال هذه الفترة ساهمت باختيار هذه القيم؛ السماح بالرحيل، لغات الحب الخمسة، سلسلة السيولة لباومان (لم انته منها بعد)، محاط بالحمقى، وكتاب أبي الذي أكره وكتاب العيش الطيب وسأفرد لهما مراجعة قريباً. إضافة لعدد من الكورسات والدورات التدريبية في معرفة وإدارة الذات.


اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

7 ردود على “رحلتي في ترسيخ المبادئ وتحديد قيمي الشخصية”

  1. صورة أفاتار baa7r

    تدوينة مُلهمة جدًا، غنيّة وقيّمة! كل الشكر لكِ عائشة على مشاركتنا تجربتك، أظنني سأعيد قراءة هذه التدوينة أكثر من مرة.

    Liked by 1 person

    1. صورة أفاتار Aeshah
      Aeshah

      شكراً لك يا بحر على قرائتها ممتنة لك ✨ يسرّني أن تعيدها مراراً وأرجو لك الاستفادة منها

      Liked by 1 person

  2. صورة أفاتار مراجعة كتاب: أبي الذي أكره – عائشة على القمر

    […] مراجعة عن هذا الكتاب في التدوينة التي تحدثت بها عن رحلتي في ترسيخ المبادئ وتحديد القيم الشخصية. هذا الكتاب من الكتب التي ساعدتني في وضع النقاط على […]

    إعجاب

  3. صورة أفاتار مراجعة كتاب: أبي الذي أكره – عائشة على القمر

    […] رحلتي في ترسيخ المبادئ وتحديد قيمي الشخصية […]

    إعجاب

  4. صورة أفاتار سبعة أدراج من الخزينة.. السمو بالذات واكتشافها ⚜️🕊️ – عائشة على القمر

    […] أن حددت قيمي الشخصية لهذه المرحلة. كتبت عن الأمر هنا (رحلتي في ترسيخ المبادئ وتحديد قيمي الشخصية). قراءته كانت كهديّة لي من الحياة ليساعدني في الوقوف […]

    إعجاب

  5. صورة أفاتار لا تقبلين القِل وأنتي كثيرة ..🧚‍♀️🎑🎶 – عائشة على القمر

    […] لذلك لن أعيد تكرار ما قلت. بداية النهاية، حدودي السماء، رحلتي في ترسيخ الحدود والمبادئ الشخصية.. وبتدوينة يوم الميلاد بالطبع حلّق فلو طأطأت لا […]

    إعجاب

  6. صورة أفاتار رحلتي مع العلاج الطبيعي🩻💪🏻 ١٤ شهر من الألم والإصرار والأمل..!🧘🏻‍♀️✨ – عائشة على القمر

    […] أقل في تدوينات سابقة أنّ الحب من أهم القيم لديّ، وأنّ الحب هو من أنقذني.. هذا قليل جداً من الحب […]

    إعجاب

اترك رداً على رحلتي مع العلاج الطبيعي🩻💪🏻 ١٤ شهر من الألم والإصرار والأمل..!🧘🏻‍♀️✨ – عائشة على القمر إلغاء الرد

اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على تنبيه بكل تدوينة جديدة فور نشرها على بريدك!

مواصلة القراءة