التصنيفات
غير مصنف

بداية النهاية

Nicole Rifkin

أبدأ هذا العام وطعم النهاية لا زال طازجاً في فمي، أكتب ووجه من أحب لا زال حيّاً في ذاكرتي، وأراه بها وأشم رائحة عطره وأسمع صوته ومواقفه التي غمرني حنانه وقلبه الكبير بها منذ ولدت. رغم غيابي عنه ومضي وقت طويل لم أراه به إلّا أنّه لدي حدس قوي يربطني بعائلتي ومن هو قريب منّي يجعلني أشعر بهم وكأنهم موجودين تحت جلدي، في دمي. فلأجل هذا وضعت هذه الصفة كحاسة ثامنة لأنه وكما تقول الجملة التي لا أعرف من هو صاحبها (إن كانت الحاسة السادسة هي قوة الحدس، فإن الحاسة السابعة هي الشعور الملحّ بضرورة المغادرة في الوقت المناسب) فهذه هي حاستي الثامنة التي لن أحاول إثباتها لأحد.

عزائي أنّي تعلّمت من هذا العظيم معنى أن تحب عائلتك ويحبوك، أن تتواجد لأجلهم ومعهم وإن كنت معذور، معنى أن تكون مصدراً للدفء وفي داخلك حريق، معنى أن تكون شخص أمين، قوي، ثقة، حكيم، حقّاني، فعل دون أن تحتاج حتى أن تقول.. إلى الجنّة يا أطيب عمّ.

كنت أتحدث مع صديقتي عبير، عن بعض المبادئ والقيم التي يبني الإنسان عليها حياته، وأخبرتها أني منذ طلبت بعض الأمور بالدعاء أو بالعمل عليها، ظهرت في طريقي تحديات وعراقيل، نسختي القديمة كانت ستقول عنها هذا من سوء الحظ، لكن أنا اليوم أعلم أنّ هذا يعني هل أنتِ صادقة فيما تريدين؟ هل هذه هي نيتك في التحلّي والتمسك بهذه المبادئ والقيم؟ من هذه القيم التي أستطيع مشاركتها هي الجودة، وبما أنّي شخص انتقائي للغاية فأنا سأضبط حياتي بحسب معايير الجودة الخاصة بي. فأهم ما سيدور حوله عامي هي الجودة، لطالما طبقّت هذا الأمر بحياتي دون وعي وأقول الكيف لا الكمّ، لكن هذه المرة مختلفة.. سأغلق أبواب كثيرة في جوانب مختلفة من حياتي. تمتّد من جودة ما أتغذى عليه جسدياً وفكرياً ونفسياً ومعنوياً إلى جودة من حولي ومن يحيطون بي وتناسبهم مع معاييري الأخلاقية.. وبينهما الكثير والكثير.

هل ما اتغذى عليه سيئاً؟ لا لكنه لم يعد يلائمني. هل من حولي أشخاص سيئين؟ لا لكن لا أستطيع المشي في طرقهم. هل الكثير والكثير الذي بينهما لا يحتمل إلى هذا الحد؟ لا لكنٍ سئمت من قفزِ الحفر، وتسلُّق الجبال. وأسمع صوت والدي من بعيد يقول: ” الجادّة لو طالت” و”امشي عدل يحتار عدوّك فيك”.

حديثي الطويل معها ساعدني في اكتشاف ما لا أريده، وأنا بطبعي أفضّل معرفة وتحديد ما لا أحب وما لا أطيق في كل شؤوني، لأن الأشياء التي تحبها تتغير لكن الأشياء التي لا تحبها ولا يمكنك أن تعيش بها كما تريد ثابتة وتُعد على أصابع اليد الواحدة. لا أحب الزيف، ولا الكذب، ولا الادعاء، ولا الأوهام، في كل شيء. لا أحب كلمة لا توصف مشاعري تجاه هذه الصفات؛ الحقيقة أنني لا أطيقها وأشمّ روائح نتنة ممن يتصفون بها وإن كانوا ليسوا بجانبي!

أقدّر الحقيقة والصدق وهي لأنها خالية من الألوان قد تكون مؤلمة، أخذ وعودي على محمل الجد لذلك لا أعد كثيراً ولا أعد من خيّب ظني به أبداً ولا أثق به مجدداً، كلمتي ثمينة لدي.. يهمني أن أُعرف كشخص يقول ويفعل، ويفعل أحياناً أكثر مما يقول؛ على أن أعرف كشخص (يهذري) بكلام فارغ لا يؤخذ منه لا حق ولا باطل، نعم أنا حمل وديع هادئ ورايق ومزاجه عالي لكن لا أمانع من التحول لأسد مفترس حين أشعر بالظلم والخديعة والاستغفال.. فأضرب بيد من حديد رغم احتياجي الشديد لكل ذرة حديد.

في كل شر يوجد خير وفي كل خير يوجد شر. وفي هذه الدنيا، أعلم يقين العلم أنّ وجودي في هذه الحياة هو من الخير الذي في هذا الشر. خاب أملي لسذاجتي كثيراً وسقطتُ من شاهقٍ أكثر، أعرف جيداً الكذب حين أسمعه، أعرف جيداً الوهم حين أراه، وأعرف جيداً الخدع المُحكمة وأحاول ألّا أسقط بها.  كل ما سبق جعلني أتأكد من سريرتي، وصدق ما طلبت، ومعرفة وتمييز ما لا أريده أكثر، والأهم ما سيتوقف؛ لأنه وكما غنّت الست: (إنما للصبر حدووود).

كنت قد وجّهت نفسي نحو الما لا نهاية منذ ما يقارب الشهرين، للون الأسود جاذبيته الخاصة التي تُغرقك بها دون أن تشعر بالاختناق، أو الاعتياد، حتى وان ابتلعك غموضه.. تطفو به!

تعليق واحد على “بداية النهاية”

أضف تعليق