فكّرت كثيراً ماذا سيكون عنوان عام 23 قبل أن أكتب عن هذا العام، أعرف ما عشت وأعرف عما سأكتب لكن ما هو العنوان المناسب؟ إلى أن تذكرت أنّي احتاج شراء ورق قصدير لتعقيم أدوات المعمل، فتنهدت وقلت: ورق قصدير سميك ليس خفيف سهل التمزق.. لا يهمني لمعان الورق بقدر سماكته، لأنه ليس كل ما يلمع ذهباً.. ذهب! هذا هو إذا عنوان هذا العام.

ليس كل ما يلمع ذهباً..
هذه السنة كانت سنة كاشفة، ومُبيِّنة، ومُوضِّحة، سواء لي أو لمن هم حولي. تكشّفت وحزنت وتألّمت وبكيت بها.. كما لم أفعل في حياتي من قبل! الأخيرة هذه للأمانة لم تكن كثيرة؛ ليس بسبب جفاف عيناي، بل لشدّة الألم الذي مشيت فوقه وشعرت به في عظامي فكانت دموعي للداخل. أصبحت أفكّر بكل ما عشت، منذ ولدت إلى هذه اللحظة.. هل ما عشته خدعة أم حقيقة؟ في الأرض أم في السماء؟ لماذا كان لارتطامي دوي انفجار لم يسمعه غيري ولم يُضجّ بطنينه غيري؟
لم أبال بالتفكير بأي كلمة أو تصرف جيد أو سيء تفوهت بها أو فعلته، لم أفكر مرتين أبداً بأي قرار اتخذته، (درعمت) في كل شيء! لا أذكر متى كانت أخر مرة عشت أيامي وأنا فاتحة ذراعيّ للحياة، أمدّ لساني لها دون أي اكتراث بها. الفعل الذي تخاف منه أقفز فيه، الكلمة التي تستحي منها بدّها، يااه ما أجمل أن تعيش كبشريّ مخلوق من تراب.. الماء يشكلك كطين وكصخر.. تلين وتقسو.. تتفتت لذرات من الرمل وتتصلب كحجر! أن تعيش كإنسان.
منذ شهر تقريباً تحدثت مع صديقتي وسألتني موبِخّة: “ليه صوت الطفلة الغاضبة فيك عالي؟ ومعمي على عيونك كذا؟ هذا مو أنتِ!” فقلت وااه يا سااامية وضحكنا ثم بجدية قلت: ” لو أعرف ليه ومن إيش شوشو غاضبة كذا كان راضيتها وطيّبت خاطرها بس أرضها كلها ألغام تائهة.. مع إني أمشي بهدوء مدري ليه كل شوي ينفجر بوجهي لغم” لحسن حظي أنّها تفهم هرائي هذا وتجد رد يناسبه، ولم تتركني إلا بعد أن أعطتني خارطة الطريق لصنع السلام مع شوشو وقالت لي بكل تهديد: ” بشيّك عليك ليلة راس السنة أشوف وضعك!” ويبدو أنها (ستهبدني) بأقرب شيء يحقق جملة “بما ثقل وزنه وخفّ حمله”.
لمعان السراب، والبلاستيك، والقراطيس، والقصدير، الذي عمى عيناي.. وصاح بسببه عنترة على لساني “هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ، أم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ” والبيوت التي تهدمت في داخلي على ساكنيها، وأطلالها اليوم توخِز وتُغضِب تلك الطفلة.. التي لا تنفك من تكرار سؤال واحد.. هل يوجد ضوء في آخر النفق؟ لا بأس صرت خبيرة في المعادن.. وبلا شك بالذهب.

ذهب 24 قيراط..
ليّن رغم صلابته لأنه نقيّ وصافٍ جداً، لا يحتوي على أي شوائب أو فلزات تزيده صلابه لذلك هو لا يُطرق ولا يُشكّل، بل يُصب كسبيكة. لا يصدأ ولا يفقد قيمته مهما عبر الزمن فوقه، أو تغبّر أو خفُتْ لونه.. لذلك لا يقدر على ثمنه أي أحد.
رغماً عن كل الألم الذي سببه الزيف والخداع، إلا أنّك دائماً تجد هذا الذهب ويجدك، تصادفه ويصادفك، تكتشفه ويكتشفك وكأنه يخبرك إذا لم تمرّ بكل هذه النسخ المزيّفة في طريقك إليّ كيف ستميّز لمعاني أمامك؟ أو كيف ترا لمعانك؟
المصادفة أني ارتديت في عيد ميلادي هذا العام بلوزة ساتان ذهبية! أملكها منذ ثلاث أعوام تركتها لأني لم أجد ما يناسبها! إلى أن اشتريت بنطلون للعيد لم أجد ما يناسبه! حتى وقفت أمام الدولاب ووجدتها تلمع أمامي وتنتظرني أجربها لأن وقتها المناسب حان! تصوّرت بها عدة صور أقربها لقلبي صورة بالأبيض والأسود كأني كنت أقول لنفسي بها: “رغماً عن كل شيء ستلمعين.. ألمعي!”.
هذا الذهب ظهر بأشكال مختلفة، قد تكون يد تمسكني حين أتعثر، أو صوت يبث في نفسي الهدوء والسكينة، أو كلمة تطمئن قلبي، أو عبارة توصف ما أعجز عن وصفه، أو أغنية تكون بمثابة المسّاج لدماغي فأضعها في وضع التكرار وعادة تكون أغنية لوردة. أو دعاء أم ينتشلك من ظلام نفسك، أو مراعاة أب يخفي حزنه عنك في صوته دون أن يعلم أنّك شرّحت صوته وتعرف ما يؤرقه دون أن يتكلم، أو عمل متعب يمسح اكتماله وجمال اتقانه كل ألمك، أو صديق ينفض الغبار معك لأجلكَ ولأجلهِ، أو أخ اعتدت على لعبه ودورانه حولك، ولم تدرك أبداً أنه كبُر إلّا حين وضع رأسك على كتفه يُخبرك: “أنا معك لا تشيلين هم.. اسندي علي”. هذا الذهب الذي أريده في حياتي.. ذهب أملأ قلبي وروحي به وليس فقط يديّ.
الذهب لا يصدأ..
تتراكم فوقه الشوائب لكن لا تغيّر من حقيقته شيء، تغيّر من لونه لكنّه يُصرّ على اللمعان من تحتها، لا يعرف اليأس، يستمر بمحاولة التقاط الضوء لأنه يعرف نفسه.. سيلمع!
شاروخان مثلاً ذهب لا يصدأ! بأفلامه الثلاثة التي أصدرها هذا العام بعد غياب خمس سنوات نتيجة فشل استمر لأربع سنوات متتالية في شباك التذاكر، لمع وكأنه لم يلمع من قبل! أنا شاه، أنا الملك.. أنا لست ذهب أنا منجم للذهب!
نزعت معظم الصدأ الذي أمسكت به ملوثاً لروحي، قصصت شعري كما اعتدت منذ طفولتي في كل موسم قصة شعر جديدة. تخلّصت من كل ما هو زائد عن حاجتي من ملفات وصور وأوراق إلى أكياس بلاستيكية متراكمة، لا أريد أي فوضى حولي.
المضحك أنّ هذا الصدأ زال في أكثر أوقاتي يأساً وإحباطاً، في كل مرة أقف أمامه مستسلمة يحدُث ما يذيبه! أحب هذه المعيّة الإلهية؛ التي لم ينفك لساني عن الدعاء (بربي إنك معي ستهدين) طوال هذا العام، وكأنه يقول لي أنا معك واستجبت لك!
كنت أنوي الحج في هذا العام، ولم أنتبه لقرب الحج إلا في منتصف ذي القعدة بعد أن أُقفل التسجيل في كل الحملات. قراري المفاجئ جاء بعد أن انتبهت أن عيد ميلادي يصادف ثالث أيام عيد الحج، بالتالي سأولد كما ولدتني أمي في اليوم الذي ولدتني به أمي.. وما أجمل هذا الترتيب الإلهي! لكنِّ حججت دون أن أحجّ فعلياً، دعوت بعرفة وكأني واقفة هناك، صليت في المسجد النبوي ودعوت: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) وكأني ولدت مجدداً.. بحياة وروح جديدة، ووُلِدتْ.
أراجع ما كتبت عن هذا العام، في الوقت الذي نُشر به خبر اكتشاف منجمين للذهب في السعودية! وهذه إشارة ذهبية مُرحّب بها.
ماذا أريد من عامي القادم؟ أريد الخير والبركة واليسر، أريد الصحة والحياة الطيّبة، أريد الطمأنينة والراحة لي ولعائلتي ولمن حولي، أريد التوفيق والنجاح ومعيّة الله في كل شأني، أريد أن أمشي أكثر، أريد الاستمرار باللمعان.
وكل عام وأنتم ومن تحبون بخير ♥️.


اترك رداً على Nada Abbas إلغاء الرد