التصنيفات
عبث

مش حتقدر تغمض عينيك

Bedroom in winter 1980, Scott prior

هي مجموعة من ذرات الكربون والأكسجين والهيدروجين التي تغير من أماكنها وأعدادها وروابطها باستمرار، قد ترافقها ذرات بعض العناصر الأخرى مثل النيتروجين والكبريت والصوديوم لكن تبقى هي الهيكل الأساسي.. حجر الأساس للرائحة. أكل التفاح الأخضر فأشم رائحة الإيثر، أزيل المناكير فيصل الأكسجين لخلايا خاملة في أنفي بفضل رائحة الأسيتون النفاذة، أصبغ شعري وكلما زادت حرارة شعري كل ما انتشرت رائحة هيدروكسيد الأمونيوم أكثر. وفي كل مرة أطحن بها حبات القهوة تنعش دماغي وتصحح مزاجي روائح الألدهيد والكبريت والتراب، وفي كل مرة يهطل بها المطر وترتوي روحي تنشط في التربة بكتيريا تنتج مضاد الجيوسمين المسؤول عن رائحة هذا الحنين. والذي أراه يسخر مني في كل مرة أفتح بها ذراعي للسماء لأخذ شهيقاً طويلاً أزعم أنه يوصلني بالطين الذي بداخلي فتزداد رائحته أكثر وكأنه يصرخ بوجهي ويقول: “إنها رائحتي.. إنها ليست للأرض أبداً.. فأنا وُجدتُ على الأرضِ قبلك!” كل هذه الروائح لها منبع ومنشأ بزغت منه بصورتها الحقيقية لأول مرة، كلها لديها مكان تعود إليه لتقول من هنا تجذرت وبدأت.

استيقظت على رائحة غير موجودة في ذاكرتي، لم يسبق لي أن شممتها ولم أستطع أن أوصلها بأي مكان لأقول هذا هو جذر الرائحة. المدهش أن هذه الرائحة كانت دافئة، وهادئة، ولاذعة، وحلوة. الأكثر إدهاشاً أنّه بعينين لا زالت مغلقة حاولت أن أخزن هذه الرائحة في عقلي.. وبعد أن نجحت في حفظها قلت هذه رائحة فلان! لم يسبق لي أن التقيت بهذا الشخص، ولا أعرفه ولا أعرف العطور والروائح التي يحب ولا أعرف ماذا يحب أو يكره لا أعرف أي شيء عنه عدا اسمه! والأكثر غرابة أن هذا الشخص لا يعرف عن وجودي بهذه الحياة على الإطلاق ولا توجد أي احتمالية لقراءته لهذه التدوينة ليتذكر لماذا زارني؟ فلماذا نسبتُ هذه الرائحة له؟

ظلت هذه الفكرة تدور في عقلي طوال اليوم، ابتسم وأحاول أن أفكك هذه الرائحة واسأل نفسي عن مكوناتها ثم استذكرها وأفكر ما سر هذه الخلطة الجميلة؟ وبعد أن أصبت بالدوار والترنح تذكرت المشتل الذي أود إنشاءه مستقبلاً.. ربما هذه الرائحة كانت تشويقة تحفزني أن أعجّل في زراعته وتنفيذه .. لكن أزرعه بماذا؟ ربما هذا الشخص هو الوجه الذي سيقوم بإعلان العطر الذي سأصنعه والذي لا زلت أجهل مكوناته! اطمئن قلبي لهذا الاحتمال، مضيت أفكر أكثر.. وجدت اسماً مناسباً لهذه الرائحة.. صنعت زجاجة العطر في رأسي.. ولم أجد بعد أي جذر يوصلني لها.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s