أكتب الآن والمطر يهطل بغزارة لم أر مثلها في حياتي، على الرغم أني استخدم هذا التعبير في كل مرة يهطل بها المطر بهذه الشدّة لكن الحقيقة أني لم أر مثله في حياتي إلا حين كنت في العاشرة؛ وهذه المرة نجح الواقع وتغلّب على الذاكرة. لو أن الإنسان مصنوع من قماش ويمكن عصره مثل المنشفة لعُصِرت اليوم. اكتفيت باللعب لمدة نصف ساعة أو كما يقول شقيقي: فيلم هندي هاه. على الرغم أنه لا يتابع بوليوود لكن أحب فيه معرفته عن ارتباط المطر بالرقص والمرح والسعادة في بوليوود رغم ارتباطه بالكوارث والفيضانات بالهند.. لكن بوليوود مكان خيالي لا وجود له بالواقع يحق له أن يحتفي بالمطر كيفما شاء.
أدعو الله بما أريد وأرجو لمدة دقيقة وأغني رائعة شاروخان كوي لاركي هي جبو هاستي هي باريش هوت يهي شنك شنك شوم شوم لدقيقة. يا إلهي كم تبهجني هذه الأغنية! ويا للمفارقة ارتدي الأزرق الفيروزي مثل مدهوري في الأغنية من رأسي لقدمي.. يوجد شيء ما تخفيه هذه اللحظة حتماً ليست مصادفة. أود البقاء تحت المطر أكثر، الصواعق الرعدية تضرب في السماء باستمرار لكن لا أستطيع المخاطرة أكثر.
يسألني بماذا تدعين؟ ويخطر لي جواب فيروز: “إزا خبّرتك بشو بصلّي ما بيعودوا صلوات بيصيروا خبريّات” فاكتفي بابتسامة ثم أقول: “شوف البرق هناك لو أزعجتني زيادة بأدعي انه ينزل على راسك” فيتركني وشأني.
أنصت لأصوات الصواعق الرعدية بانتباهٍ شديد أحاول أن أفهم الشفرات التي تخبئها بصوتها، متجاهلة أن وجودها هو بسبب التفريغ الكهربائي نتيجة لاختلاف الشحنات الكهربائية بين السماء والأرض. ماذا تفعل الحقائق العلمية في رأسي الآن؟ وماذا تريد مني؟ لا أريدها. أود أن أسمع صوت الرعد كما لو أنّي البشريّ الذي يسمع صوت الرعد لأول مرة، ولا يعلم هل يمسك عصاه استعداداً لمحاربة هذا العدو مدفوعاً بغريزة البقاء على قيد الحياة أو يعلّق رأسه في السماء يتتبع البرق ويقول الرعد يأتي بعده محمولاً بفضوله نحو اكتشافه.
كل هذا يحدث لأن الأرض تريد أن تتوازن، تصرخ السماء وتبكي وترتوي الأرض وتشبع. تماماً كالإنسان يصرخ ثم يبكي فترتوي وسادته ليصحو باليوم التالي منتعشاً ومتوازناً. هل نرقص ونبتهج على أحزان السماء في كل مرةٍ تمطر؟ هل يرقص الآخرون على دموعنا في كل مرة نبكي؟ لا أودّ أن أعرف.
تقفز أمي مع كل صاعقة فأنظر لها وبكل حنان العالم اسألها: “مين مخوفك بالرعد وأنتي صغيرة؟ والله صوت الرعد جميل ما يخوّف”. فتتظر لي بشزر (تزغرني) وتقول: “بالله لا تسويلي فيها دكتور نفسي مو وقتك .. ما يخطر لي غير اللي تكهرب بمكانه من الصاعقة ولا الناس اللي تطيح عليها بيوتها مع هالصوت” فأرد: ” اممم برضو الصوت عظيم وقوي فيه هيبة اسمعي .. سبحان الله .. فأغني أبرقي أرعدي (وسلسلة الأشياء التي أريدها على وزن أبطالا) لترد ساخرة: “أبرقي أرعدي أطفالاً” وكم تبهجني حقيقة وضوح اتصالي بالطفلة التي بداخلي.
في هذه السكينة والطمأنينة التي أشعر بها الآن وكأني صحراء قاحلة ارتوت، لا يسعني إلا تذكر ما قاله ماجد الثبيتي عن المطر: “لماذا المطر لوحده كل مرة كأنه لأول مرة؟”.
3 replies on “تمطر السماء حين تبتسم”
فعلاً الصواعق بها هيبة، تُظهر قوة الله
في الصغر كُنت أخاف منها خوف رهابي، أما اﻵن فبت أستشعر بها قوة الله فأطمئن
إعجابLiked by 1 person
قام بإعادة تدوين هذه على عائشة على القمر وأضاف التعليق:
لأني ابتسم وارتوي في كل مرة تمطر … ولأنه كل مرة كأنه لأول مرة!
إعجابإعجاب
[…] تمطر السماء حين تبتسم […]
إعجابإعجاب