التصنيفات
#تحدي_التأمل

حديث الخطوات

اعتاد أن يمشي محدقاً في موضع أقدامه بدلاً من أن يرى الطريق أمامه، يتسلى أثناء مشيه في عدّ مربعات الطريق. تحولت من وسيلة تسلية إلى وحدة قياسٍ للمسافة. خطوتين متر، مئتين خطوة مئة متر، وألفين خطوة كيلو مترٍ واحد. هذه هي الأفكار التي يشغل بها نفسه أثناء سيره كل يوم. خمسون خطوة للسيارة، لن استخدمها اليوم سأكمل المشي، ألف ومئتان خطوة تفصلني عن قهوة الصباح، وكل الخطوات التي لم أمشيها بعد.. تقف بيني وبين المستقبل.

كل الطرق تبدأ بخطوة واحدة، إمّا أن تخطوها للأمام وتفتح ذراعيك مرحّباً بالمجهول أو تخطوها متراجعاً للخلف وتثبت في مكان أمانك متنازلاً عن تجربة الحياة.

تغيّر مشيه من نشاط حركي يهدف لتحريك الدورة الدموية؛ إلى رحلة ينتظر فيها بحماس جديد رقم الخطوة القادمة. باستمراره على هذا الروتين لاحظ أن عدد الخطوات يزيد ويقل بحسب قدرته على الحركة، يقطع المسافة نفسها إمّا بخطوات سريعة أو ثقيلة، انتبه لها بسبب الوقت. ماذا لو كان بإمكانه المشي على الدقائق والساعات هل ستطوى المسافات وتقصر خطوات مشاويره اليومية؟!

خوفاً من أن يصحب مشيه المستمر تفكيراً إضافياً لقياس الوقت وربطه بالخطوات. قرّر أن يترك العدّ، سيتعامل مع المسافة كفراغ يلزم عليه العبور من فوقه. بدأ برفع نظره عن الأرض وصار ينظر للطريق أمامه، لا زالت نهاية الطريق مجهولة ولا يستطيع تخمينها، لكن لن يسلّي نفسه بلعبة الخطوات تلك مرةً أخرى. استمر بالمشي بهذا الأسلوب لفترة بعدها لاحظ تمرّد الرصيف عليه. تشطّبت البلاطات وخرجت من مكانها، تحاول أن تُعثره على أمل أن يسقط وينظر للأرض مجدداً. لم يرضخ لكل هذه المحاولات، استمر يمشي متطلعاً إلى الأمام دون أن يعود لإحصائها مرة أخرى.

أضف تعليق