كما جرت العادة السنوية أكتب نهاية كل عام ميلادي تدوينة تلّخص وتوصف أيامه بشكل ما وأضع عنواناً له. وبالنظر لأيام العام الماضي يوماً بيوم، هذا هو العنوان الذي وجدته ليكون مناسباً لعام 2024 (لا تقبلين القِل وأنتي كثيرة).

عِشت ومررت بالكثير منذ يومه الأول، المرض والأرق والكوابيس والحزن والفقد والحداد. تحقق الأمنيات واستجابة الدعاء. وعيش تجارب جديدة في الحياة سعيدة وتعيسة. أنقذني الله وعنايته الإلهية وحب عائلتي وأصدقائي كثيراً. الرغبة والعمل على البدايات والنهايات الصحيحة. كفوف خيبة الأمل والجحود والخذلان واللؤم والنذالة.
طوال حياتي أرغمتني الحياة على دفع أثمان باهظة جداً في كل مرة أتجاهل بها حدسي وصوتي الداخلي. وفي كل مرة قررت بها أن أُغمض عيني عن رؤية البوصلة التي بداخلي، أسقط في هاوية أولد منها بصعوبة، وهذه المرة أشعر أنه لم يبق مني شيئاً أعرفه أو أألفه. ولا أشعر بالخوف تجاه هذا الأمر، بل أعلم أنّي سأكتمل وأضيء كما لو أني لم أكتمل أو أضئت من قبل. قالا لي أهم شخصين في حياتي أنتِ مُحارِبة وأنتِ شُجاعة! وأن أسمع منهما Fighter & Brave في هذه السنة على وجه التحديد.. فهي هديّة وإجابة لأسئلة امتدت لسنوات وصلتني من الله على ألسنتهم.. وواللهِ لم تقوَ هذه الروّح إلا بالحب وبحبكم.
خلّص حنانك.. ما بقى إلا قسوتك!
رغم كل قوّتي أنا مرهفة الحس، جداً وكثيراً. وأحب هذا بي لأن قوّتي لم تكن في أي يوم تجبّراً أو ظلماً أو عدواناً.. ولم تقسِّ لي قلب، ولم تمت لي ضمير. قويّة بالحق وبالعدل وأجتهد لأبقى هكذا لأني أكره الضعف والجبن والجهل وأتعوّذ منها كل يوم. لأول مرة أنتبه أن لي جلداً حساساً ولا تبرأ جروحه سريعاً تماماً كروح صاحبته. في صباح ذلك الأحد يا غزالة، قرصتني ثلاث بعوضات في ظاهر كفّي الأيمن.. لا زالت أثارها باقية حتى هذه اللحظة! مضى سبعة وثلاثين يوم على تلك الظهيرة وعلى هذه القرصات.. ولا زال ألمهما في رأسي كأنها تحدث الآن.

جئتِ في ذاك الأحد لتذكّريني وتعلميني أنّه لن يقدر على تحطيمك وكسرك وجرحك سوى من تحبين، من ترحمين وترأفين بهم. من يدّعي أمامك الضعف والهشاشة والمسكنة. من يظن أنّ من حوله سذّج وأغبياء ويستخدمهم كبيادق بينما هم يدافعون عنه ويقفون أمامه في وجه التيّار عوضاً عنه من المحبة. من يدّعي اللطف والوداعة واللين وهو منافق وقلبه أشدّ قسوة من الحجر. من لا يفكر سوى بنفسه ولا يفعل إلا ما يناسبه ويخدمه حتى وإن كان يضر غيره ويؤذيه. من يصنع الأعاصير ويمضي ويقول أنا ومن بعدي الطوفان.. دون أن يكترث بمن بقي يدور داخل عواصفه.
لم أكن عمياء عنكِ أو عن كل هذا، كنت فقط أحنّ عليكِ وأرحمِك! قتلتِ بي في ذلك اليوم شيء لا زلت إلى هذه اللحظة عاجزة عن تسميته أو معرفته، ويحتل مكانه فراغ أجوف كبير. أشعر أنكِ لم تُحبِّ أحداً طوال حياتك، وأننا كنا جميعاً نعيش ضمن حيلة أو خدعة من خدعكِ التي لا تنتهي! حتى نفسكِ لا أظن أنك تعرفين كيف تحبينها! لا أشعر تجاهكِ اليوم بأي شيء.. ولا أرحم سوى نفسي على ما عشته من ألم بسببك. لكن نعم.. اتقِ شرّ من أحسنت إليه.
حيونة الإنسان!
“ويمتاز الإنسان عن الحيوان بأنه يتعجّب ويضحك، ويضجر ويبكي. كما أنه من أهم خواصه استعمال الكلام والرموز وإدراك المعاني العامة المجرّدة، واستخراج المجهول من المعلوم.”
نادين تحسين بيك بشخصية رولا – مسلسل بنات أكريكوز.
سألني ابن خالتي في أحد الأيام: “خالة عائشة.. تعرفين إنه الإنسان حيوان؟” _ سألته كيف؟ وأنا أحاول ألّا أركّز على كلمة خالة التي يناديني بها للمرة الأولى_ فأكمل: “مدرّس العلوم يقول إنه الإنسان أرقى أنواع الثدييات، وإنه احنا بشكل عام فاهمين نظرية التطوّر غلط، وأي أحد يقول نظرية التطور يفكر بداروين والقرود على طول! لكن الإنسان لو ما تطور كان للحين يمشي مثل البقر على أربع رجول، شكل اليدين المختلف عن الرجول هو من التطور واستقامة الهيئة من التطور ولا شرايك يا خالة؟” في تلك الأثناء كان يجلس بجانبي شقيقي الذي يصغرني بعام واعتبره تؤامي في أشياء كثيرة، كان المسكين يهتز على الصامت على كلمة خالة مخافة أن يأتيه كوع في خصره. وبعد أن تناقشنا في حوار فلسفي علمي عن الإنسان والحيوان ونظرية التطور وعلم التصنيف التفت إلى شقيقي وقال: “شرايك يا خالي فلان باللي قلناه؟”. فضحكنا.. وهذه ضريبة أن تكون الحفيد الأول عند خوالك محسوب على بقية الأحفاد خال!
الذي ذكرني بالموقف وكلامه، هو ما تعرضت له منذ بداية هذه السنة من فحوصات طبية كنت في معظمها شبه عارية. شعرت في أحد الأيام أن هذا الجسد ليس أنا، لا يعبّر عني، هو مجرد وعاء يحملني وأنا أكبر من هذا الوعاء بكثير.. بكثير جداً إلى حدّ أنه لا يسعني. رغم أنّ تجارب قياس الروح وجدت أن قياسها لا يتجاوز بعض الغرامات بعد أن تفارق الجسد، إلّا أني أكبر منه!

في ذلك اليوم شعرت أن هذه اليد ليست يدي، وهذه القدم ليست قدمي، وهذا الوجه ليس وجهي. يحركونها يمنة ويسرى وفعلت كل ما طُلب مني وكأني روبوت.. وكأنها ليست لي.. ربما لأن الإنسان يعقل ويشعر ويعبّر عن شعوره ويفهمه.. يخجل ويستتر. وهذا يجعلني أفكر بكل اللغات التي تنطق بها الحيوانات ولا نعلمها ولا نفهمها، وبكل أنواع الأغطية التي تغطّي جلدها من شعر وفرو وريش وتكون ردائها إلى أن تفنى! ونوع الستر الذي تستتره! بينما الإنسان حيوان تغطيه أردية لا يملكها فعلاً وقد تكون لحيوانات أخرى. وإن نُزعت عنه يظنّ أنه تكشّف وتعرّى! وقد يكون في تلك اللحظة في غاية التستر رغم عريّه!
ماذا يعني أن تكون إنسان؟ ماهي الإنسانية؟ ما هو الستر؟ جعلني هذا أفكر بأبانا آدم وأمنا حواء.. ما الغطاء الذي كان يسترهم؟ هل كانت سوءتهم التي تكشفت جسدية أم شعورية؟ ماذا كانوا يحاولون أن يغطّوا بأوراق الجنة؟ هل هي البراءة التي لا تنفك أمي تسألني عنها: ” كان فيك براءة فين راحت؟” لأي سببٍ تورطت أنا بهذه الدنيا؟ وكل هذه الأسئلة؟

قيلت لي لأول مرة هذا العام جملة: “راح اللي أغلى منها.. لا تبكين ولا تزعلين!” فبكيت أكثر! وكأني أدرك ماهيّة هذه الجملة المخيفة لأول مرة.. ما هو أغلى شيء لديّ في الحياة؟ من هو أغلى شخص لديّ في الحياة؟ هل أعرفه؟ هل أعرف قيمته؟ هل هو موجود؟ أم لم يوجد؟ أم راح؟
أخبرتني أمي منذ فترة بإني حين سقطت في أول أسبوع من شهر يناير وعجزت عن الحركة والمشي لساعات، أنها بحثت عن أعراض التصلب اللويحي وأطباءه وعلاجه لتكون مستعدة وفاهمة وثابتة إذا ما شُخِّصت به! الحمدلله كان الأمر أهون بكثير ولم أشخّص به. لكن تفاجأت كيف فكّرت بكل هذا ولا أعرف كيف احتفظت بكل هذا لنفسها لكن هذه هي أمي لا تحب الجهل أبداً.. مثلي تماماً في هذا.. كلما عرفت أكثر كلما كانت قادرة على إدارة نفسها قبل إدارتها للمواقف بشكل أكفأ وأفضل.. نعم المعرفة قوّة والجهل ضياع.
أعود لأسئلتي.. ما المهم حين نأتي للعُريّ؟ العُريّ الجسدي؟ أم الفكري؟ أم المشاعري؟ أم الروحي؟ لم أكترث بكل هذه البشر فهم معتادين على رؤية جسد الإنسان كأجهزة وأعضاء. أمّا روحي.. أنا .. عائشة التي أعرف.. فلم يقدر على مشاهدتها أيّ شخص منهم! والأشخاص الذين تعرّيت أمامهم بروحي ورأوني كما أنا طوال حياتي لا يتجاوز عددهم أصابع يدي، وأخرهم أذاني وجرحني وكسرني في أشدّ أوقاتي ضعفاً كما لم يفعل أي أحد من قبل.. هذا ما كنت أظنّه إلى أن تفوّقت غزالة عليك في الأذى وليس في رؤيتي وعمق معرفتي! لكن هل عرفتني حقاً؟!
كنت حقيقية وصادقة وواضحة وتلقائية، كنت كما أنا ببشريّتي وإنسانيتي. بكل جمالي وقبحي، وبكل خيري وشرّي، وبكل هدوئي وغضبي. أفكّر أحياناً بالكثير مما كنت تقوله.. ولا زلت لم أفهم، لماذا كانت كل تلك الحيونة؟؟
حين رأيتُ صوتي!
“الساكت عن الحق شيطان أخرس” نسمع هذه الجملة في الإذاعة المدرسية منذ المرحلة الابتدائية. لكن لم يخبرنا أحد أنّنا سنصبح شياطين وأشرار حين نجرؤ على الدفاع عن أنفسنا ووضع حدودنا واستعادة حقوقنا! ولأن الله يحب المؤمن القوي أكثر من المؤمن الضعيف، سألته كثيراً أن يحبني أن يجعلني مؤمنة قويّة بالحق والعدل والحكمة، لا بالظلم والتجبّر والباطل. اختفى صوتي كثيراً، حتى في الأيام التي لم أكن قادرة بها على الكلام أجبرت نفسي عليه وتكلّمت فزادت بحّته أكثر! لكن لن أصمت، لن أظلم نفسي، لن أبقى ملاكاً في عين أي مخلوق يُخرج أسوأ ما بي متعمّداً.
لا أعلم من الذي قال لي أو إن كنت قرأت هذا في مكانٍ ما ” الصوت المجروح “المبحوح” هو صوتٌ متألّم، صوت بلع الكثير من الكلام فتخدّش” ففكرت بصوت الهندية راني موخرجي والتي صوتها من أكثر الأصوات التي أحب بماذا تألّمت يا ترى لنسمع هذا الحنين والشجن في صوتها؟
فكرت بصوت التركية سيدا تيربكوليك والتي من أكثر مغنيات الراب والبوب التي أحب سماع صوتها وأغانيها.. ما الذي مرت به هذه الإنسانة لأشعر بصوتها في دمي؟ صاحبني صوتها في أيامٍ كثيرة هذا العام.. ضحكت وفرحت وبكيت ورقصت معها كثيراً.. سيدا والتي يكون اسمها بالعربي صدى.. سمعتُ صداكِ بقلبي لا بأذنيّ!

هذا الصوت المجروح، والذي تشعر أنه تسلّق جبال شاهقة، لا طريق ممهد بين صخورها، وحين وصل لقمّته جلس ليستريح من تعبه وهو يشاهد المنظر من الأعلى.. أستطيع أن أثق به لأنه استقر في قلبي.
وبي أملٌ يأتى ويذهب.. لكن لن أودّعه
فلا أكون سوى حلمي..
ولي جبلٌ
مُلقى على الغيمِ، يدعوني لأرفعه..
أعلى من الغيمِ إشراقاً
وبي أملٌ
يأتي ويذهب..
لكن لن أودّعه..”
محمود درويش.
“وبي أملٌ يأتى ويذهب.. لكن لن أودّعه” أردد هذا البيت منذ عام 2012.. أتذكّر هذا لأني قرأته لأول مرة في ذلك الوقت وشعرت أنّه لي ويخصّني أنا وحدي. الأمل.. تعني هذه الكلمة بالتركيّة أوموت Umut وبالهنديّة خاب Khawab وقد تستخدم بمعنى حلم. وإن نظرت للكلمتين بالعربي.. فخاب الأمل، ومات الأمل .. ويا للعجب كلّها أمل!
رغم كلّ ما حدث في هذا العام وما عشته به كما لو إني كنت في لعبة أفعوانية أتأرجح بها باستمرار، لم أستسلم. بل جعلتني هذه الدوّامات والفوضى أسعى أكثر رغم الترنّح. وأكون أكثر انضباطاً والتزاماً تجاه نفسي. أكثر حسماً وحزماً، وأكثر توازناً، ووضع حدّ لكل ما يثقلني وينهك قواي ويتطفل على روحي. وأن أسعى لاستعادة هدوئي وسكوني حتى وإن لم أستطع المشي كما اعتدت. لطالما حملت هذا الأمل بداخلي كشعلة ديفداس.. سأسمح باستمداد قبسٍ منها لكن لن أسمح بإطفائها على الإطلاق.
كتبت عن الأمر بالتفصيل بعض الشيء في هذه التدوينات لذلك لن أعيد تكرار ما قلت. بداية النهاية، حدودي السماء، رحلتي في ترسيخ الحدود والمبادئ الشخصية.. وبتدوينة يوم الميلاد بالطبع حلّق فلو طأطأت لا تراني.

لا زلت لم أستقرّ في منزلنا الجديد بعد، والذي لم أعش به لأكثر من شهر؛ واكتشفت أن مشيتي فيه غريبة لأن ذاكرتي لم تحفظ مسافاته بعد، أمشي به كطفل يتعلّم المشي. لا زالت الكثير من الكراتين تنتظرني لأنقلها من القديم.. وأظن أنّي سأعيد فتحها قبل أن أقرر هل ستذهب معي أم أحرقها للأبد. رغم خشيتي أن يمزقني الحنين إذا ذهبت إليه، فأخر أيامي به كنت ارتعش من الحمّى وأعلم جيداً أنها كانت تحرق ركاماً لم أكن أعلم عن وجوده بداخلي. لم أكن أظن أني حين ودعته بعنوان العيد الأخير تحت هذا السقف أنه سيكون فعلاً الأخير لأشخاص كثر.
على قيد الحياة..
أواجه الموت من قبل أن أولد على هذه الحياة! وحين أعدد على أصابع يديّ المرات التي نجوت بها منه والتي تجاوزت عددها، ومنها مرتين في هذا العام. أوقن أكثر بمعيّة الله لي ولطفه الإلهي ودعاء الوالدين الذي ينقذني دائماً من الموت معنوياً أو جسدياً. حين أنجو في كل مرة أقول في رأسي أعيش وأحيا.. فأتعلّم كيف أودّع أملاً قد خاب واستقبل الأمل الذي يجيء.. لكن لن أودّعه.
أحبّ الحياة.. أحب الأحياء.. وأحب الإنسان الحيّ. أحب رؤية أوراق الإنبات التي تبعد عنها قشور البذرة وهي تشق طريقها نحو الضوء. أحب كل صفة ترتبط بالإنسان الحيّ: الأصالة، النُبل، المروءة، الجسارة، الشجاعة، العدالة، الشهامة. وأحب أنّها تُرى في لمعة عين الحيّ، نار هذه الروح الحيّة التي تستطيع أن تشعر بدفئها في دمه.. أحبّها.
يتجرّأ البعض أن يُخبرك أن كل الصعوبات والمشاكل التي تواجهها هي بسبب سقف توقعاتك العالي واهتمامك الدقيق بالتفاصيل! وحلّها هو خفض هذا السقف وتمشية الحال! وكأنه حين يكون لأحلامك وأمنياتك سماء رحبة لا متناهية لا ترى بدايتها ولا نهايتها مشكلة! أن يكون لأحلامك وأمنياتك سقف، هذا يعني أن تنتهي بمجرّد أن يصل رأسك له. وما أعنيه لا علاقة له بالقناعة والرضا، بل بالأمل بالله الذي لا يعجزه شيء.
لذلك لا سقف لتوقعاتي.. ستتنامى للأعلى بقدر ما يوجد في التربة التي تمتد بها جذورها للأسفل من معادن وفيتامينات؛ وكل ما تحتاجه لتنمو. سيذهب كل منهما بالاتجاه الذي يدعم به ثبات واستقرار الأخر. سأقتلع كل نبتة مضرّة تحاول أن تسممني، وسيوجد بجوارها كل نبتة تساعد جذورها جذوري وتتنامى بسمائها معي دون سقف يحدّ منها، لأنه وإذا كانت النفوس كبارا… شعرت وأنا أكتب الفقرة السابقة أني كتبتها من قبل؟ فتذكرت أني كتبت ما يشبهه في الصفحة التعريفية بي منذ أول يوم لهذه المدونة! فضحكت.. آه يا عائشة هل رأيتِ كيف كانوا يريدونك أن تتعايشين؟!

لا تقبلين القلّ وأنتي كثيرة..
لطالما كانت الكلمة مهمة عندي بكل حروفها ومعانيها، لذلك لا أشتم، لا أعد بأي وعد لن أوفيه، وأسعى دائماً لأن أبقى قد كلمتي. لا أستخدم أي كلمة لأنه شائع استخدامها خاصة إن كنت أوصف أحداً. قد أجاملك بجمل من باب اللباقة مثل: “شعرك جميل اليوم!” وما شابهها. لكن إن كنت أقول لك صديقي فهذا يعني أنّي رأيت بك صديق لي فيجب عليك أن تمثّل كل ما تعنيه الصداقة لأصفك بها. لن أرفعك لمنزلة صديقي دون أن أعنيها أو لأجاملك بها، أو لأني أريد منك شيئاً. لن أصفك بأي شيء ليس فيك لتشعر حيال نفسك بشعور جيّد أو سيء! وهكذا مع جميع الكلمات.
كنت في طفولتي حين أهرب من النوم قبل أن أكبر ويهرب النوم مني.. أردد بصوت عالي يتناقص تدريجياً أي كلمة تخطر على بالي كأن أقول: سرير سرير سرير سرير سرير إلى أن تختفي الكلمة ثم أسأل: ايش يعني سرير؟ ليش تسمى السرير سرير مو ستارة؟ فتجاريني شقيقتي وتبدأ هي بترديد كلمة أخرى وتتسائل عن معناها.. إلى أن تعلو أصواتنا فيُفتح باب الغرفة ويطلّ رأس أبي: “وبعدين يعني.. بكرا مدرسة والساعة قرّبت 12 وما نمتم لسا؟ ربع ساعة وأرجع لكم!” يغلق الباب خلفه فألتفت لأختي في الظلام وأقول: باب باب باب باب ايش يعني باب؟ فترمي علي مخدة أو علبة مناديل وتقول: يعني نامي نامي نامي نامي فيُفتح الباب مرة أخرى ونصمت وننام.
أغلق باب هذا العام الكبيس وأنا أردد: شجاعة ومحاربة وذكية وقوية وحيّة وإنسانة طبيعية وحقيقية وعفويّة وبريئة… وعائشة. دون حاجة لترديد كل كلمة منها كثيراً لتتلاشى أو ليتجلى معناها. أغلق بابه تاركة خلفي الكثير، أغلقه وأنا أعلم أني خٌلقت مُكرّمة، مباركة، غالية، رضيّة ومرضيّة، وأتاني الله من كل ما سألت. لذلك يا عائشة غني من قلبك بعالي صوتك لا تقبلين القلّ وأنتي كثيرة.. كثيرة.. كثيرة.

ماذا أريد من العام الجديد؟
أريد الكثير الذي يعلمه الله وحده.
عام جديد سعيد لكم جميعاً !
!Happy New Year
🎉🧚♀️🌱🎑👸🏻✨🌻🌑♥️☕️🎶



اترك رداً على baa7r إلغاء الرد