أيام عالمية وحيوات متزامنة!

ساعتي البيولوجية لم تستوعب بعد أننا في شهر رمضان، أجد صعوبة في ضبط مواعيد النوم لتتوافق مع ساعات العمل والإفطار، مجموع نومي لا يتجاوز الأربع ساعات وأشعر أن رأسي يشتعل! لكن لا بأس في هذا فهو لسبب قلة النوم المؤقتة، الأهم من هذا أنّي عرفت سبب الأرق الذي لازمني أشهر طويلة في فبراير، واكتشفت أني كنت ظالمة للقهوة! هذه السوداء التي كلها خير من بذرتها إلى ما بعد إعدادها واحتساءها.. لا أعلم كيف أصبحت شمّاعة لكل من يغادره نومه.

علّمتني الفترة التي كان طابعها العام الأرق، معنى السكينة والسلام الذي لم ينفك لساني من طلبها والدعاء بها لسنوات طويلة على أصعدة مختلفة. علّمني الالتفات لعتبة الألم والجلوس أمامها والربت عليها والكفّ عن تجاهلها، علّمني كيف أنزع الشوك بيديّ وأنا أنظر للدم المتبقي في مكانه دون أن أخاف أو أرجف، علّمني معنى لذة الغرق بالنوم عميقاً كطفل يعيش في عالمٍ له وحده أو كمسافر أنهكه تعب الترحال ولم يتنفس الصعداء إلّا في منزله! سكنت روحي واستقرّت.

منذ رمضان الماضي وأنا أدعو لتحقق أحلام كثيرة لي ولغيري ممن أحب، أنعزل في غرفتي وأغلق هاتفي في آخر ساعة من كل يوم من أيامه وأدعو بسلسلة من الأدعية.. حين كان يدخل اليأس لقلبي وأنوي أن أتوقف عن بعضها، شيء بداخلي كان يطلب منّي الاستمرار بطلبها ثم أقول يارب ألهمني الدعاء الذي فيه خير لي لأدعوك به وتستجيبه لي! تذكرت هذا الأمر اليوم حين سمعت السائق وهو يهاتف صديقه ويقول له: آمين استجب يارب هذا الدعاء! ثم أكمل حديثه بلغته. بعد أن كنت قد رميت نفسي على الكرسي وأغلقت عيني منتظرة الوصول للمنزل ثم فززت حين قال استجب يارب! وكأني أعرف هذه اللحظة جيداً وكأني أشهد على استجابة دعاء لا أعرفه! فاستجب لهم يارب.

استمرّ إلحاحي في الدعاء، تحرّيت أوقات وأماكن الإجابة في رمضان، عرفة، عاشوراء، الجمعة، في محرابي، في الحرم، في السجود، تحت المطر.. أشعر بها حولي.. قريبة جداً.. ولا أراها! لازمت دعائي بالصدقة قدر ما استطعت حاولت أن أفرّج على من يريد مثل ما أريد، أن أسعى في الفرج عن حاجتهم حتى يسعى الله بنفسه في حاجتي! فهذا وعد وعده لي ولكل مسلم.. واستجاب. لم يكتف الله بالاستجابة فحسب، بل جعلها تتحقق على يد الشخص الذي وقف في طريق هذا الأمر.. هو بنفسه من أصبح يسعى به! كنتِ تريدين استجابة فحسب.. تفضلي هذه معجزة! استمري بالدعاء وطلب كل ما تريدين.. أنا معك والحمد لله على هذا المعيّة واجعلني ربِ مباركة أين ما كنت.

Marc Chagall, The Blue Angel 1937

أيام عالمية متزامنة يوم السعادة، ويوم الشعر، ويوم الأم!

امتعضت منذ يومين على أمرٍ تافه حدث معي، تافه جداً وللغاية لوالدتي لأني شعرت بالظلم ولأني أعرف تماماً ما الذي سيحدث إن تجاهلته وصمت.. أخبرتها بالأمر. فاقترحت عليّ حلّ لترضي خاطري رغم أنه ليس لها ذنب ورفضته لأن به ظلم لها وقبولي له لن يغيّر من الأمر شيء.. فاستطعت أن أقول لنفسي هنا عوافي بملء قلبي، ولأجل عين تكرم مدينة لمن صنع لي عالم لا متناهي وأتجاوز الأمر. الذي حفزني على إخبارها أني رأيت ما حدث كله في منامي قبل أن يحدث الأسبوع الماضي! استيقظت ذلك اليوم والألم في حنجرتي لا يحتمل وقلت لها: “من كثر ما انقهرت من الموقف بالحلم صحيت وصوتي رايح!” فحين حدث أدركت أنه يوجد هنا شيء مهم ينبغي عليّ إدراكه. يا للدهشة! نسخي متآزرة ومتكاتفة وتساند بعضها في كل الحيوات.. تحب، وتكره، وتطيق، وتغضب، ولا تحتمل، وتحرّكها، الدوافع ذاتها! ليس هذا ما أدركته؛ سأحتفظ به لنفسي. أودّ أن يتحقق لي ما قاله ضيف فهد “وأنه ليس لدي شك في أن الله سيرحم العيون التي تنظر بقصد إلى الجهة الأخرى: كي لا تزيد من حرج أحد” أن يرحمني الله لشدّة ما أحسست وشعرت.

(أَتاكَ الرَبيعُ الطَلقُ يَختالُ ضاحِكًا مِنَ الحُسنِ حَتّى كادَ أَن يَتَكَلَّما) البحتري.

هذا كان أول بيت شعري علّمتني إيّاه أمي وحفظته لأجل الإذاعة المدرسية في الصف الأول أو الثاني الابتدائي. أمي التي ولِدت بالربيع، تُحِبّه وتُحِبّ اخضراره وأزهاره، وأنبتت فينا أنواعاً مختلفة منه؛ ولم تتوان للحظة في إزالة كل ما يشوب ربيعها ويلوّثه. أمي التي تركت على جسدي علامة ولادة حين أراها كل مرة.. أتأكد أكثر من غايتي بالحياة! أمي التي أسرّتني منذ مدة بأكثر ما تحبه بي وفاجأتني بدقّة وصفها.. لا أعلم لماذا تفاجأت من أمر بديهيّ! لكنِّ فرحت لأنّها تحب بي أكثر ما أقاومه وأخشى منه وهذا سبب لتمتد شجاعتي نحوه أكثر! لم تكتف بتعبيرها، بل أكملت: “كم أتمنى لو كنت أملك هذه الصفة مثلك!”. يا إلهي! يا حبيبتي.. هذا الربيع الذي تحبين، أنتِ من زرعه وسقاه ليختال إليكِ ضاحكاً.

كل عام وأمهاتكم بخير، كل عام وهم من مصادر السعادة في هذه الحياة، كل عام والمعاني الجميلة لكل القصائد التي زرعوها بنا تتجلى.. ورحم الله من توفى منهم.

كل عام وأرواحكم مطمئنة وهادئة.. ومبارك عليكم ما تبقى من الشهر.


اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

رد واحد على “أيام عالمية وحيوات متزامنة!”

  1. صورة أفاتار Kader

    رزقني الله و إياكم و جميع المؤمنين استجابة الدعاء

    Liked by 1 person

أضف تعليق

اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على تنبيه بكل تدوينة جديدة فور نشرها على بريدك!

مواصلة القراءة