التصنيفات
غير مصنف

الحياة قصيرة

تقول عائشة جول أومّان (شخصية تلفزيونية):”الحياة بسيطة كثيراً في الأصل.. (تولد، تكبر، تموت) إنها بسيطة إلى هذه الدرجة، ما الذي لا نستطيع تقاسمه؟ ماهي مشكلتنا؟”. مضت سنوات عديدة على هذه الجملة ولا زالت تتكرر بذهني، وتخطر لي في كل مرة أرى بها أنّ هذه الحياة سخيفة ولا تستحق كل ما نحمّله عليها أو ما نتوقعه منها.. ففي النهاية أنت تولد، وتكبر، وتموت.

بطبعي شخص كتوم ومتحفظ للغاية، فمهما يحدث معي لا يخرج مني ليس لأني لا أثق بالآخرين بل لأنه كبرت واعتدت على حل ما يمكنني حله بنفسي وإذا عجزت أطلب المساعدة ممن يمكنه مساعدتي، لأنّه لا يوجد أي جدوى من إرهاق شخص لا يمكنه مساعدتك بمشاكلك، حتى لو على سبيل بناء علاقة وثيقة مع من حولك.

يرى البعض أنّ هذا التصرف خاطئ لكن أنا لا أتّبع قاعدة الصواب والخطأ فيما يتعلّق بي .. أفعل ما هو مناسب لي وما أشعر تجاهه بالراحة والطمأنينة. أؤمن أنّه بإمكانك أن تكوّن هذه الصلة مع الآخرين دون أن تضطر لمشاركة خصوصياتك، نعم يمكنك الاعتماد عليّ والثقة بي وبقدرتي على مساندتك ودعمك ومشاركتي ما تريد لكن بالتأكيد باحترام دون أن يصاحب هذا إلحاح مني بالسؤال لك. سأوفّر لك مساحة آمنة إلى حدّ أنه بمجرد أن ينتهي الحديث يتبخر من ذاكرتي دون أن يصاحبه أي حكم، وهذا ما أنا أطلبه وأنتظره بالمقابل.

صديقتي المقرّبة يئست من التأقلم مع هذا الطبع، ومثل أي شخص يسيطر عليه كبريائه، بدأت بمعاملتي بنفس الطريقة لأنها ترى أنّ هذا التكتم هو نتيجة لعدم الثقة! أخبرتها مراراً أنّ هذه هي تركيبتي ولم تقتنع. على الرغم أنها تقول لي باستمرار: “لا أعلم لماذا أعود لكِ في كل مرة ولا يمكنني أن أثق بأي أحد أخر”. ونتيجة لهذا اليأس الذي اعتاد على المعاملة بالمثل ابتعدنا؛ حين تقدّم ثقة تنتظر ثقة.. لا أفعال تخريبية، فأغلقتُ الباب ولم نعد أصدقاء.

منذ شهر زارتني صديقتي التي أعرفها منذ مدة لا بأس بها وتوطدت علاقتي بها منذ ثلاثة أعوام بشكل غريب نتيجة تعليق ما عن الصحة النفسية! أحاديثنا عادةً تكون في سبر النفس البشرية والغوص بها.. نعم نتفلسف طوال الوقت في هذا المجال، نتحدث في الصدمات النفسية والفوبيا والمخاوف والتجارب الحياتية الغريبة التي تشبه المعجزات. ونتحدث في الكثير من المواضيع الغريبة التي لو تحدثت بها أمام أي أحد لوصفك بالمجنون أو بغريب الأطوار. وفرنا لبعضنا مساحة آمنة لا يوجد بها أي فرض أو إجبار للمشاركة.. تشعر بالراحة للحديث تحدث لا تريد الحديث أنا أفهمك ومعك فلا تقلق.

أثناء تلك الجلسة الحقيقية معها قالت لي جملة غريبة علقت بذهني “عائشة أنتي روح قديمة”. جملتها لفتت انتباهي لعدّة أمور اعتدت أن أسمعها مثل: جملة تبدين أكبر من عمرك التي أسمعها منذ ولدت، عاقلة مو مثل اللي بعمرك لأني لم اتأثر أو اقتدي بأحد، وبقدر غرابة هذه الجمل عليّ حينها لم أفهم لما كانت تُقال لي. لاحظت كذلك أنّ غالبية الأشخاص الذين تعرفت عليهم في آخر ثلاث سنوات يوجد بعلاقتي معهم هذا العمق، حتى لو كانت معرفتي بهم سطحية! وهذا شيء رائع لأن الأفعال الحقيقية الصادقة تصل للآخر، حتى لو كنت لا تعرفه جيداً، يوجد بريق بالصدق يمكنك أن تثق به. قلتي لي روح قديمة أجل.. Interesting، حليتي لي استفهام كبير في حياتي واستبدلتيه بلمبة.. شكراً والله.

لا أعلم لماذا تذكرت صديقتي السابقة في تلك الجلسة، انتابني شعور خيبة أمل لأنها الشخص الوحيد الذي شهد معظم مراحل حياتي ويمكنه قراءة عينيّ ويفهم متى أكون على ما يرام أو لا. كنت أعوّل على مرور الوقت لربما تستوعب طبيعتي، كنت أقول لها باستمرار على الرغم إنها أكبر مني بعام: “تكبرين وتفهمين لوحدك” لتنظر لي بنظرة أنا أثق أنه معاك حق وتعرفين كثير بس كيف؟ وليش؟ ولأنه لا توجد لديّ إجابة على هذا الكيف وهذه الليش! كلُّ منّا يفهم الآن لوحده.

فكرت كثيراً ووجدت أننا انتهينا قبل أن تنتهي هذه الصداقة بمدة طويلة! فهمت أنه لا يمكنك أن تنقذ أي شيء يودّ أن ينتهي، تعلّمت أن الزمن شيء نسبي.. تعلّمتها مبكراً على مستوى الفيزياء ومؤخراً على مستوى الحياة. لا تحتاج للوقت لتعلم أنّك في المكان المناسب أو غير المناسب، لتتأكد هل شعورك صادق أو لا، تصرفك صحيح أو خطأ.. وقس على هذا. كل ما تحتاجه هو أن تصدّق صوتك الأول.. أن تصدّق نفسك لأن الوقت بريء من كل هذه الفوضى.

لا أشعر تجاهها بأي غضب، أو حزن، أو سعادة، أو فرح، أو راحة. لا أشعر بشيء ليس تبلداً، بل تسليماُ لأن هذه طبيعة الحياة لا يوجد بها ثوابت كل شيء متغيّر وهذا جزء من تجربة العيش. تعلّمت ألا أضع أي احتمالات أو توقعات تجاه أي شيء، فكل شيء ممكن ولا يوجد مستحيل. وكما قالت عائشة جول: “الحياة بسيطة كثيراً في الأصل.. (تولد، تكبر، تموت) إنها بسيطة إلى هذه الدرجة، ما الذي لا نستطيع تقاسمه؟ ماهي مشكلتنا؟”.

3 replies on “الحياة قصيرة”

ماشاء الله عليك السكوت مجهد أكثر من الفضفضة ، لكني شخصياً أحس يوصل الواحد نقطة و ينفجر 🥲 ..
بس أظنك تكتبين و الكتابة حل بعد ..
الله يسخر لك الصديقات الطيبات المتفهمات 💕

Liked by 1 person

هلاً بكِ أسماء..
شكرا لكِ على لطفك ♥️🌹
ما وددت أن أشير إليه في التدوينة هو ضرورة تقبّل الأخر دون محاولة تغييره في حال لم تعجبك طبائعه التي لم تؤذيك.
نورتي✨

Liked by 2 people

رد

اترك رداً على Aeshah إلغاء الرد