التصنيفات
غير مصنف

ليالي السهر

أحبُّ الليالي الشتوية.. هدوئها يبثّ الطمأنينة والسكون في روحي، سماع صوت فيروز بكل الشجن الذي يحويه يناسب قسوة هذا الوقت من العام، وكأنها طريقتي الخاصة لافتتاح موسم السُبات.. هذه اللحظات التي أقتطعها لرؤية السماء ليلاً تبهجني وتزيل عن روحي تعب العام بأكمله.

أملكُ الآن فرصة لأحدق طويلاً بعتمة السماء في الوقت الذي أفضّله من العام كما أشاء. تشعرني بالهدوء، بالغرق في حضن هذا الليل السرمدي كلّما رفعت بصري إليها. وعلى الرغم من محبتي الشديدة للقمر إلا أنه يفسد عليَّ أحياناً هذه الصورة ويشتتني بهالته.. نرجسيّ يرغب أن تكون كل الأنظار متجهة نحوه .. في الوقت الذي أحب أن استغل لحظات غيابه لأرى شيئاً من النجوم التي يغطي لمعانها ضوء المدن العالي. هذا الفضاء الشاسع فوقك، لا يغيّر مكانه، يمد لك ذراعيه كل يوم مرحّباً بك، ومع هذا لا تستطيع رؤيته بحقيقته التي يبدو عليها.

ماذا يعني الليل؟ ماهو السهر؟ كيف تمر الساعة بالليل؟ هل هي نفس ساعة النهار؟ هذه الأسئلة التي كانت تثير فضول الطفلة التي كنتها عن الليل .. واليوم بإمكاني أن أقول أنّ الجاذبية التي تثبتك على الأرض تساعدك على العيش والمشي بثبات، بينما الجاذبية التي تملكها السماء في الليل تصيبك بالنشوة والدوار.

ماذا سيقول الليل لو كان بإمكانه أن يتحدث؟ حسناً .. في المعجم: مفردي ليلة وجمعي ليالي؛ يعبرون عن شدّة ظلامي وطول وقت لياليَّ بمفردةِ لَيْلَةٌ لَيْلَى أو ليلاء. لا عجب في أن يكون أول من رفع بصره إليَّ رفعه في ليلة حالكة السواد.. فأصابه الجنون وصار يهذي بليلى.

الانتقال الذي تقوم به وأنت في مكانك دون أن تحتاج لبذل أي مجهود، عالمٌ أخر.. عيناك هما مفتاح بوابته. هذه العتمة التي لا ترى فيها شيئاً، وما أن يتعود بصرك على وجودها تنتبه إلى اختلاف شدّتها من مكان لآخر. تتعلم طريقتها في الكلام، تفهم ما تقوله ظُلمتها. كلّما كان سوادها حالكاً ازداد وضوحها وكلّما اختلط بالأضواء أو بالغيوم تتشتت أفكارها وتكثُر مراوغتها.

اليوم يُفسد القمر عتمة السماء باكتماله لكن لا بأس.. تقوم الغيوم بإخفاء هالته من وقت لآخر فتبقى هالتي وحدها لتضيء هذا الظلام.

تعليق واحد على “ليالي السهر”

[…] المشّاء حين يمشي بمفرده هو ليس بمفرده حقاً! بل صاحبه بمشيه كل من السماء والحجر والطبيعة والشمس والغيوم وفي الليل تصاحبه النجوم. يتحدث الكاتب هنا أنّه إذا كان المشي ضمن مجموعة فأنه لا يصبح مشياً إذا تجاوز عدد أفرادها خمسة أشخاص لأنها ستصبح مثل النزهة أو نقل للمجتمع المدني بكل ما فيه من أحاديث ومجاملات فلا يعود المشي مشياً. بينما المجموعات القليلة يمكن لأفرادها الابتعاد عن بعضهم لمسافات بحسب تسارع خطواتهم مما يجعل كل شخص يستريح من المشي انتظاراً للآخر ويتأمل ويشاهد المكان من حوله. شد انتباهي ما قاله أنّه، حتى لو كان الانسان يمشي بمفرده فهو ليس بمفرده حقاً بل يقوم بإعادة اتصال ما بين جسده وروحه. في حديثه عن الصمت فصّل أن الطبيعة وما فيها من جمادات لها أصواتها الخاصة، فالمشي على الصخور ليس كالمشي على الأعشاب أو الثلج فلكل خطوة صوت يميزها. المشي في وقت الفجر والسكون الذي يجتاح المكان نتيجة الهدوء. تحدث عن صمت الليالي إذا ما صادف ونمت مخيّماً أو خارج المدينة تحت النجوم وظلمة السماء. كيف أن لهذه الليالي صوتاً من شدة سكونه يوقظ جميع الكائنات في الثانية صباحاً. يستعين هنا بوصف ستيفنسون الذي أعجبني جداً هل نستيقظ لأن الأرض ترتعش في هذا الوقت أم لأنه نداء قادم من النجوم يبحث عمّن يستجيب له.. نجح بوصف ما أشعره حين أمشي في ليالي الشتاء. […]

إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s