في البداية، أودّ أن أقول أنني بارعة في اختيار عناوين التدوينات التي أكتبها، واستخدم الكثير منها ضمن أحاديثي اليومية، بل ابتكرت الكثير الذي لم ير النور بعد. لأنني من شدّة جمالها فضّلت الاحتفاظ بها لوقت تنضج به أفكار الموضوع المتعلّق بها، لأكتب عنها بشكل لا يخفي جمالها، بل يبرزها أكثر!
حزيران.. حزين وحرّان، استخدمت هذا العنوان لتدوينة نشرتها في مثل هذا اليوم قبل عامين، هنأ أتركها لكم. لكن من شدّة حبي لهذا العنوان، ولهذا الشهر ليس لأن به يوم ميلادي، بل لأن لفظ الأشهر باللغة السريانية يعجبني كثيراً وكم أودّ أن يشيع استخدامها أكثر من الأشهر الرومانية. يوجد الكثير من الأمثلة التي تستخدم بها الأشهر وتعجبني مثل آب اللهاب في وصف شدة لهيب صيف أغسطس، ومثل شباط ما على كلامه رباط، لوصف الشخص الذي لا يؤخذ بكلامه.
أعيد الاستعانة بـ حزيران حزين وحرّان اليوم لأن هذا اليوم يمثّل هويّة هذا الشهر تماماً أول أيام الصيف.. الشمس يزداد توهّجها والحرارة تبخّر الماء من جسدي وتذكرني بهذا النتح المستمر، برومانسية خيالي في أن أكون شجرة! وكأنها تسألني هل أنتِ متأكدة أنكِ تريدين أن تكوني شجرة؟ أو جبلاً؟ أو ماء؟ لا شكل له ويأخذ شكل الوعاء الذي يوجد به، وتتحكم الحرارة به فتصيّره من سائل إلى ثلج إلى غاز!
أكتب الجملة السابقة وأنا أرى كيف تدور مكعبات الثلج داخل كوب قهوتي وأنا أفكر: “لا يستطيع النبات أن يضع في لحاءه الثلج، ثم يسحب بتفرعات جذوره الماء من التربة ليذيبها” ثم أضع قطعة ثلج بفمي وأشرب من القهوة السائلة بينما ألعب بقطعة الثلج بلساني وأقول الحمد لله أنني خلقت إنسان!
ما أجمل أن تكون إنسان! في أساس تكوينك الطين، يرويك الماء وينعشك، يحيي الأكسجين الذي تستنشقه من خلال الهواء روحك، ويدفئ دمك كل الصقيع الذي قد يصادفه في عروقك! كتبت الجملة الماضية وأنا أستمع إلى وردة تغني : “حبك مفرحني فرح الطير بطيرانه.. قربك مريحني راحة الروض لأغصانه.. عطفك ساقيني الحنان كله بألوانه”. فضحكت من محاولة الإنسان المستمرة على مجاراة الطبيعة من حوله للتعبير عن مشاعره.. وهذا إدراك لا يمكنك أن تصل له إذا لم تصل لمرحلة ترغب بها بتمزيق ملابسك من الحر!

تذكرت صديقتي وديان التي رأتني في مرة أجلس مع صديقتنا أنهار.. نعم والله هذه هي أسمائهم! ويوجد أفراد آخرون في هذه المجموعة التي تسميها أمي شلة الطبيعة بسبب أسمائنا. كنا نجلس في (القايلة) في صيف مثل هذا الصيف قبل عدّة أعوام، نمسك بأيدينا أكواب قهوة ساخنة ونشربها ونتحدث ونضحك بحماس ثم قالت لنا وديان وهي تشاركنا الحديث من على بعد خمسة أمتار لأنها كانت تجلس في الظل واضعة يديها في حضنها بأسى من حالنا: “تعالوا أجلسوا هنا! أبعرف كيف قادرين تضحكون وتتقهوون تحت الشمس بهالحر ما تحسّون أنتم! فانقلب ضحكنا لهسترة أظنها نتيجة ضربة شمس أصابتنا، ثم أكملت ساخرة: اللي يقعد قعدتكم هذه ما شاء الله ما يعوق معاه شي بحياته.. أنظروا إلى قوّة بنات الصحراء!” هكذا أنهت خطابها البنت المقطوع سرّها في جنيف، والتي تصاب بالزكام بكل مرة ننزل فيها ريش المكيّف لتقول: سأصنع لأنفي غطاءًا أو جورباً من الصوف ليحميني من الهواء تماماً مثل برقع الطير! وحين حاولت تنفيذه، أصبحت مثل بينوكيو وكانت أول من يضحك على برقعها!
قررت أن أكتب لأني الآن انتظر أختي ووالدتي تجهزان لنذهب للصالون، لنحصل على قصة شعر جديدة. في عادة استمرت منذ طفولتي في كل موسم نقص شعورنا ليذهب معها كل ما لا نريده من ثقل وشعور! فالشعر يطول لأجل أن يقص ويقص لأجل أن يطول وسرا الليل وحنا ما سرينا.
أعيش في الفترة الحاليّة تجربة عميقة وغريبة؛ إلى حدّ أني لا أريد أن أفكر بها أو أسأل عنها، لأنني لا أريد مشاركتها مع أي مخلوق! وهذه المرة الأولى التي أشعر بها بضرورة الاستسلام للمجهول، والثقة بحدسي وشعوري الآمن حيالها.
أعتقد يتضح جليّاً من هذه التدوينة إلى أيّ حد رأسي يطبخ ويغلي، وهذا الطبخ ليس فقط من حرارة الصيف، بل من الكثير الذي أريد أن أعيشه وأفعله.. كم أود في هذه الحالة أن تكون لديّ تقنية ناروتو (نينجوتسو) لأصنع نسخ متعددة منّي تفعل كل ما لا يسعني فعله.. حياة واحدة هي كل ما أملك، ولا تكفيني. أوقفتني أختي عن الكتابة هنا بعد أن أخبرتني أنهم جاهزين لأقول لها بدوري: نسيت نفسي وأنا أكتب وما جهزت لسا!



أضف تعليق