يا قرادة.. هالجرادة !!🐛🦗

عند خروجي من المنزل قبل عدّة أيام، وجدت هذه الجرادة عند حافّة العتبة؛ فقفزت من فوقها وخرجت مستعجلة. بحثت عنها بعد عودتي لأرميها في الخارج ولم أجدها فنسيت أمرها. رأيتها بالأمس في مدخل الدرج، مختبئة بين حوافه. ويبدو أنّ ملامحها قد تغيّرت، بعد عمليّة دهس غير ناجحة من شخص ما؛ وكأنه قال لها بطرف قدمه: “وخّري بس وخّري (ابتعدي)”. لأني وجدتها ساكنة في مكانها، وقرون استشعارها تتحرك بعد أن اقتربت منها. كنت سأرحمها وأخرجها، لكن كانت يديّ ممتلئة بالأكياس فصعدت وأنا أنوي النزول لأجلها ونسيتها مرّة أخرى!

الجرادة المقرودة

ذكّرني هذا بالأم أربع وأربعين التي حنطّتها حين كنت في الصف الأول ثانوي! والتي أحتفظ بها إلى اليوم، كعلامة على بدء نبوغ العالمة التي تعيش عامها الأخير في الدكتوراه. رغم أني نجحت بتحنيط تلك الأم أربع وأربعين، ومن ثم ورقة سدر. وهذا يعني أنّي جربت نفسي مع علم الحيوان وعلم النبات.. إلّا أني قررت الذهاب وراء غير المرئي لأكتشف الحِقيقة الغايبة مع الميكروبات بكامل قواي العقليّة!

أخرجت أم ثمنية وثمانين من مخبئها _ أوه نسيت أقول إني حنطت أم أربع وأربعينتين يعني ثنتين _ أخرجتها لألتقط صورها وأرسلها لصديقتي عبير ع لأنه يوجد عبير أخرى؛ ويجب التركيز جيّدا هنا لأنه عبير ع هي المتدربة التي بدأت بتدريبها في العام الماضي وبعد أقل من شهر أصبحت صديقتي! تحدثت عنها في تدوينة حدودي السماء. عبير تشاركني في الكثير من الأشياء منها هذه الهواية الغريبة. وحين أخبرتها عن أم أربع وأربعين أمطرتني بأسئلة كثيرة: فين لقيتيها؟ كيف مسكتيها؟ كيف قتلتيها؟ وكيف حنطتيها؟ ولييييش محتفظة فيها؟؟؟؟؟؟

أمسكت بإحداهن في الحوش، لقيتها عند حافة الجدار تمشي .. أحضرت ورقتين A4.. زحلقت الورقة الأولى أسفلها لحد ما مشيت فوق الورقة بكامل جسدها. ووضعتها وهي على الورقة على كتاب ضخم ووضعت الورقة الثانية فوقها.. وبرفق أسقطت كتاب ضخم آخر فوقها وتركتها لأسبوع ثم عدت لها ووجدتها ماتت وجفت ووضعتها داخل ملف نايلون شفاف واحتفظت بها! أما الثانية لقيتها في السطح.. وسبب احتفاظي فيها لأنه في ذاك اليوم واجهت خوفي من الحشرات لأول مرة والذي انتهى بالتدريج.. وأحياناً أطلّعها أجري فيها ورا شقيقي أسامة إذا طفشت. فنظرت إليّ وهي صامتة ثم ضحكت وقالت: ” لااا.. وتشرحين باستمتاع كأنك قاعدة تشرحين تجربة بالمختبر!”. فقلت لها بجديّة: “ترا هذه طريقة من طريق تحنيط الورق والحشرات.. ركزي معاي إني سويت هذه التجربة قبل ما أدرسها بسنوات!

أم أربع وأربعينتين.. ويتضح فارق الزمن بينهما

عدّلت جلستها وقالت لي: “تدرين أنا إيش حافظة بثلاجة البيت؟” سألتها وأنا مترددة هل يا ترى أحتاج أن أعرف المصيبة اللي تحتاج أن تُحفظ بالتبريد؟ لكن فضول العالِم الذي بداخلي ما تحمّل وسأل: “إيش؟” فكان الرد: “عينات دمّ لأهلي وصديقاتي.. وقت ما كنت أتدرب على سحب الدم كنت أجرّب فيهم ومحتفظة بأول عينات سحبتها!”. فقلت لها: “شوفي … أنا حدّي حشرات ونباتات ولأهداف نفسية وعلمية .. أنتي تجمعين دمّ الخلق ليش؟؟؟ ناوية تكتبين الجزء الثاني من رواية العطر؟؟ ولا شوضعك مسز دراكولا؟” فضحكت ثم في المساء أخبرت أهلها عني فقامت أمّها على الفور برمي العينات التي زاد عمرها عن سنة، وكأنها للتو تنتبه لغرابة الفعل وقالت لها: “أنتِ وصديقتك مو صاحيين.. ما جمّع إلّا وفّق”.

أمّا الجراد، فقبل عدّة سنوات حين كنت جالسة مع عائلتي في الهواء الطلق وسط الزرع؛ وقّع علي شيء ما. نعم مثلما قرأت وقّع وليس وقع. وبكل هدوء العالم ألتفت يمنة ويسرة، باحثة عن ماهيّة هذا الجسم الغريب الذي شعرت بثقله وهو يحطّ عليّ. فوجدت في جانبي الأيمن جرادة وش كبرها.. موقّعة وسط شعري فكمشتها بيدي كما لو أنّها شباصة متزحلقة، ورميتها بطول يدّي بعيداً ثم نفضت يدي وضربت كفّي بكفّي الآخر كما لو أني أبعد الغبار.. كأني ما سويت شي! لم استوعب شجاعة ما فعلت، إلا حين رأيت عيون أختي وبنت عمي مبققة عليّ من هول ما رأوا ثم الضحك الذي انفجر منهم مع جملة: “لو ما شفت بعيوني ما أصدّق!” فقلت: “أنا والله اللي مدري توي شسويت ومدري كيف أصدّق؟ بس ترا ملمسها مثل الخشب الخشن الخفيف.. هشّة مرة!”. ربما غريزة البقاء على قيد الحياة هي التي تدخّلت في تلك اللحظة! أو أنّه بهذه الطريقة تُصنع وتُكتسب الجسارة والشجاعة، بمواجهة ما تخشاه وتخاف منه. ماهو الشيء الذي يُعدّ أسوأ من الخوف في هذه اللحظة؟ لا شيء.

خرجت في عصر اليوم أبحث عنها في الدرج لأخرجها، ولم أجدها. حين وصلت عند باب الشارع، وجدت قطّة الجيران الهاربة تتمغّط بكسل عند العتبة؛ ثم قفزت بنشاط شخص حصل للتوّ على جرعته اليوميّة من البروتين! فضحكت وقلت: “آخ يا المحظوظة.. ويا قرادة هالجرادة!!

المضحك أني بالأمس حين كنت أقرأ في كتاب متعة الأدب لبورخيس، قرأت مقطع منه ذكرني بحوار مع صديق يحذرني فيه من بعض أنواع الطفيليات! كتبت عن السالفة هنا في قناتي على التليقرام هذا هو الرابط https://t.co/ZhU8GeW9At لأنه وكما يبدو أنّكم لا تنقرون على الروابط التشعبية لذلك لن أرهق نفسي بصنعها.

ما علينا.. هذا الأسبوع كان برعاية الحشرات؛ لذلك اشتروا بخاخات طاردة للحشرات الطائرة والزاحفة! والله يبعد عنّي وعنكم قرادة هالجرادة.. ومصير أم أربع وأربعين.. وجراءة هالطفيليات!

واعتذر لو كانت الصور المرفقة مخيفة أو مقززة أو مقرفة للبعض 🌹منكم


اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

4 ردود على “يا قرادة.. هالجرادة !!🐛🦗”

  1. صورة أفاتار flowers ahmed

    عند قراءتي لتدوينتك هذه، شعرت بشعور لطيف جدًا أن هناك أشخاصًا مثلي يهتمون بالحشرات وتحنيطها، رغم أن مجالي ليس طبيًا بل هندسيًا، ولم أفكر يومًا في دخول المجال الطبي، ولكن حب الاستطلاع في مخلوقات الله وتصميمها البديع هو سبب كافٍ لأن أحب هذا الجانب.

    Liked by 3 people

    1. صورة أفاتار Aeshah
      Aeshah

      أهلاً بك زهور 💐
      أسعدني جداً أنّها راقت لكِ ووجدتِ نفسكِ بها😍
      التفكّر في مخلوقات الله وبديع صنعها عبادة من العبادات، لذلك هي غير محصورة بتخصص وأحب كثير الأشخاص ذوي الاهتمامات المتعددة والخارجة عن تخصصهم وعملهم✨
      أحييك وأشجعك على هذا الشيء 👏🏻
      شكراً لك زهور 🌹

      Liked by 2 people

  2. صورة أفاتار molta7ad

    كنت محتاجة تنبيه قبل صورة الـ أم ثمانية وثمانين 🥶! تدوينة جميلة وسعيدة بأني وقعت “وليس وقّعت” على مدونتك، أسلوب جديد مُنعش 🤍🤍

    Liked by 1 person

    1. صورة أفاتار Aeshah
      Aeshah

      أهلاً بكِ نورتيني ✨🤍
      وأرجو لكِ قراءة وجولة ممتعة ومدهشة ومنعشة في المدونة🌱🧚‍♀️
      سامحيني كان من المفترض يكون التنبيه في أول سطر لكن اعتبريها مواجهة ناجحة للخوف😅

      إعجاب

أضف تعليق

اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على تنبيه بكل تدوينة جديدة فور نشرها على بريدك!

مواصلة القراءة