مراجعة ديوان الشعر: غبار نجمي – زكي العلي
3–⁦4⁩ من الدقائق

اعتدت على افتتاح مواسم الصيف من كل عام بالإنغماس في قراءة الشعر، ولا أعلم هل هو تحفيز من أشعة الشمس التي تجعلني أنتح كما لو أني نبتة!؟ أو لطبيعة جيناتي الصحراوية والجبلية التي اعتادت على هذه الحرارة منذ القدم فأصبحت لا أتأثر بها واستمتع رغماً عنها بالشعر!

بعد أن طلبت روحي قراءة بعض قصائد الشامخة لميعة عباس عمارة في بداية الشهر، سقطت عيني على المجموعة الشعرية غبار نجمي للشاعر العراقي زكي العلي والتي حصلت عليها في بداية العام وأنا متأكدة من كمّ الإتقان والإبداع بها لثقتي ببراعة ما يكتبه قلمه من خلال ما يشاركه من نصوص في حسابه على أكس (تويتر سابقاً)، ولأني لا أؤمن بالصدفة فهمت من هذا التزامن أني سأقضي هذا الصيف مع شعر دجلة والفرات.

المجموعة من نشر دار رقش، عدد صفحاتها ١٢٣ صفحة وتحوي ٦٥ قصيدة. ولكثرة ما اندهشت أثناء قرائتي وددت لو أنّها كانت أضعافاً! 

ولأنني لأسباب كثيرة تركت الأرض وجعلت من القمر منزلاً لي، ومنذ العام الماضي فقد جاذبيته لي واتجهت نحو الما لانهاية، بعد انتباهي أنّ هذا الرمز يناديني منذ طفولتي للتحليق نحو العدم. فكل شيء حولي يطلب مني التماهي مع هذا الكون.. هل اتضح لكم أنّه لا يوجد شيء اسمه صدفة؟ حتى هذه المجموعة قرأتها في الوقت المناسب لها! 

لنبدأ بالعنوان البارع! 

بحسب فرضيّة السديم، نشأ الكون بعد انفجارٍ كبير!

لأن الغازات لم تستطع تحمّل الحرارة الشديدة، فمن شدّة الضغط؛ حدث الانفجار العظيم فانبثقت منه المجموعة الشمسية، والأرض. من تلك النقطة التي بدأت منها متاهة الما لا نهاية، ظهرت الحياة!

لم تكتف ذراته بالانتشار في أطراف الكون..

بل في جسدِ كُلٍ منّا غُباراً نجميّاً

لليلٍ سرمدّي،

سأم الظلامَ الطويلْ،

ولأجلٍ أن يُنير ..

احترق!

“لها لتقرأه في الليالي الباردة، ولي حين أعود في الحياة القادمة…” وليسمح لي أن أرد عليه: سأقرأه كذلك في قيظِ نهارِ الصيف، لربما تحدث معجزة وتعود في هذه الحياة!

لم يكن مطراً .. هذا هو عنوان القصيدة الأولى في المجموعة

“كم عمرك الآن؟ عمري غيمة مطرت.. على الرصيف ولكن لم يكن مطرا 

ما شغلك الآن؟ شغلي بوم أفنيةٍ .. مع النهارِ وليلاً أحرسُ القمرا” 

هذه البومة التي لا تبالي بإفاقاتها المتأخرة، وحراستها لشقيقة النور التي يتداخل ميلادها مع ميلاد النهار، يفديها بهجرانه الدائم للأرض، لأن للورد حقٌ بإدماءِ القلوب. 

رغم السلام الذي تنشره عينيها في الأيّام المتأرجحة، فهي لا تبالي وتنام على الخزامى.. إذا ما شمسها غربت.

يوصيه بأن يُمسك بقاياه حين يراها لأنه يكفي ما وقع منه أمامها.. لكن ماذا سيرى بعد أن تبخّرت ولم يبق بها ما يُرى!؟ يبقى الحرُ حُراً وإن كان طفلاً، يملك إرادته وإن ذهب معه.. في هذا اللغط.

إنه الصوت الأكيد الذي تُفتح له أبواب السماء بعد أن غنّى بالبكاء. فيُضيء له الشِعرُ مصباح مينائه، وترى ظلال نوره على جدار البيتِ القديم.. ومع هذا لا يفيق.

يُطلُّ رقيقاً كالورد وإن غلبه الأرق، يراه الساهرون كالضوء حين تغفو أعينهم بانتظار سلّة الخبز. أمّا سواد الشالِ الذي يُظهر جمالها، لن تبقيه حولها لأنها لا تبالي برأيك الشخصي.. حتى وإن زلت بها. تعبُر ضحكتها كالماء في روحه، كدعاء خضر الياس لم تنقطع شفاهه عن طلبه.. أين حريّتها في هذا؟

في اللحظة التي يأبِّنها بها؛ يدعو أن تُبعث حيّة! يا للعبث! يعود صدى دعاءه إليه كأنه وحيٌ قديم أغلق أذنيه عن سماعه فأصابه الندم. لم تنقذه سلالم الوهم، ولم يسعفه الوقت، في الوصول لوطنه.. يا لهذا الأحد! ترك سيفه لرُبما يعُد. 

ولأن الموت واحدٌ.. ظلّت شهرزاد تحكي، والمطر على رماد السيّاب وعينيها المرتقبتين يجري. ويسخر في كل صولةٍ التراب المبتلّ من الحاضر والماضِ. تصنعُ يديها الكنافة لأسرى أسئلتها، وحين قدّمتها لهم تعثّرت على الزغبِ الوثير بالأجوبة!

يا لغواية هذه العينين.. بنيتُ لها في بالي بيتاً من العدم، فنفد من حبّه العقل. متى أصبح الولدُ المؤدبُ غريقاً في الهوى؟ كجلجامش حرق سفنه وراءه ومشى في غابات الأرزِ .. لربما يستفيق جائعاً من هذا الحلم. وبعد أن تعِب من الهواجسِ والقلق، اشتعل! فطار غبار نجمه في السماء إلى الأبد.

“أنظُر بحنين إلى السماء وأتساءل..

حين أعود،

هل سيعرفني النجمُ الذي كنتُ غباره؟”

هذا ما فعلته بي مجموعة غبار نجمي أيّها الزكي! هذه ليست مراجعة بل أعراض ثمالة! ولا تعلم إلى أي حدّ أنها جاءت في وقتها المناسب تماماً.. فشكراً لك على هذه الملحمة.

نعم، إذا كنت تودّ أن تُجنّ من الدهشة! 


اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

أضف تعليق

اكتشاف المزيد من عائشة على القمر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على تنبيه بكل تدوينة جديدة فور نشرها على بريدك!

مواصلة القراءة