التصنيفات
غير مصنف

عيون القلب

Andrea Kowch – American, b.1986

مرحباً..

أعتذر لأن الإشعار الذي أتى إلى صناديق بريدكم في هذه اللحظة لا يحتوي على أي تدوينة حتى الآن! وما هو إلّا إشعار يرسل سلاماً إليكم ويطلب منكم أن تعودوا إلى هذه الصفحة وتحدّثوها يوم السبت الثامن من أبريل لتعرفون لماذا حرصت على توثيق تاريخ هذا اليوم بتدوينة لم تكتب بعد ..

كونوا بخير واعتنوا بأنفسكم ❤️

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدنا..

حسناً وعدتكم بكتابة هذه التدوينة، في الوقت الذي كنت لا أستطيع فيه الرؤية بعيني اليمنى بعد أن مررت بحادث سخيف تزداد سخافته بعيني في كل مرة أرويه لأحد أطباء الطوارئ! حيث أني كنت أسند باب الشارع بيدي اليمنى وموجهة سبابتها للداخل ويدي اليسرى مليئة بالأكياس وأحاول أن أمنع القطة التي تستلقي عند الباب من الدخول بقدمي لأني واللهِ لن أطاردها. فالنتيجة أني نسيت أن سبابتي في مستوى عيني فقبّل اصبعي عيني.. بس والله أهو ده اللي صار! بعد أن امتلأت عيني بالدموع، وقفت القطة وحدقت بي وعينيها مغرورقة أظنها شعرت بي.. لن تنجحي! لا أكرهكم لكن لن أحبكم.

إليكم ما حدث منذ العاشرة مساءاً من الثالث من أبريل إلى العاشرة صباحاً من الرابع من أبريل.. لكن سأذهب قليلاً للوراء؛ أعدكم بقراءة نص ممتع أكثر من حلقات طاش القديمة والجديدة.

اعتدت في كل عام على جدولة الأسبوع الأخير من ديسمبر لإجراء ديتوكس على جميع الأصعدة، تنظيف وتخفيف روحي ومادي يصاحبه قص الشعر والكثير من المشي والقهوة والراحة. ولكم أن تتخيلوا أن قرار تقسيم العام الدراسي لثلاثة فصول دراسية قلبني رأساً على عقِب، وأشعر أني ألهث منذ أغسطس. على الرغم من تدخل صديقي المطر وإهدائي لإجازة غير متوقعة في أول أسبوع من العام لكن شيء في داخلي أبى أن يستفيد منها.

في بداية فبراير أو أواخر يناير (لا أذكر حقاً) زارتني صديقتي عبير وقامت بتوبيخي على أشياء كثيرة منها انطفاء روحي في عيناي (وإن حالي مو عاجبها)، فأخبرتها أني لا زلت أحمل عامي الماضي على كتفي وأني لم أحيي طقوسي الشتوية كما ينبغي، وبعينين غير مصدّقة لما قلت قالت: “بمشيها لك” فابتسمت.. لا يمكنك الاختباء أمام عين واحدة فكيف حين تجتمع عينان في مكانٍ واحد.

عادت الكدمات للظهور في ساقيّ نتيجة الإرهاق المستمر، زاد تشنج أكتافي من الجلوس المستمر والطويل في المعمل، يديّ تعمل بشكل متواصل في كابينة سلامة تفتح بشكل جزئي لتحافظ على سلامة ونقاء العينات دون أن تكترث بالمحافظة على سلامة ذراعيّ من الاصطدام المستمر بها، أو الانحناء المستمر رغم حرصي على الجلوس بشكل صحيح. كل شيء حولي يرسل لي كفى يا عائشة كفى، لا بأس باستراحة محارب هنا، بينما كل شيء في داخلي يقول واصلي لا بأس شارفنا على الوصول. بمعية مغاطس الماء الدافئة والأملاح والزيوت العطرية التي أكافئ جسدي بها في نهاية كل أسبوع على تعبه، أكملت السير بهدوء لأني يمكن أن أكون أي شيء إلا أن أكون مستسلمة. والحمد لله أن هذه الفترة التي امتلأت بالانتظار انتهت بخيرها وشرها والرضا يملئ قلبي عن نتائجها، وأعلم أن كل الفترات القادمة سيصاحبها انتصارات ونتائج أفضل وأجمل مما أتوقع لأنه (ليس لِلإِنسَانِ إِلَّا ما سعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى).

في الأوقات التي كان يشتد بها ألمي أتفاجئ أن أبي في تلك الفترة كان يتألم، أو تشاركني أمي بالأرق دون سبب، أو تكثر أحلامي الغريبة التي أتواصل بها مع الكثير من القريبين منّي دون أن أفهم لماذا. كم أحب أن يراني من أحب بعيون قلوبهم دون أن يروني أو يعلمون عن تفاصيل ما أعيش. فقدت القدرة على البكاء منذ وقت طويل، كل ما يجلب البكاء يضحكني أو يتحول لمشهد كوميدي ساخر، لم أتبلد لكن تغيرت طريقتي في معاملة الألم والتعب.

انكسر صمت قنواتي الدمعية وبكيت في الثاني من أبريل على قصة أخبرتني بها إحدى الصديقات، رأت في المستشفى طفل عمره عام لطيف هادئ مرح جميل وروحه جميلة ويشرح الصدر وله قبول لا يمكنك إلّا أن تًحبه حين تراه، يتفاعل ويلعب مع كل من يراه بحب، وينادي كل ممرضة تهتم به وترعاه ماما. هذا الطفل تركته أمه في حضانة المستشفى منذ أن ولد دون أي سبب. ما أبكاني هو أنها أخذت معها شقيقه التؤام وتركته! أخذت نصفه الآخر وتركته في الحضانة مع حديثي الولادة ويقال أنّه لا توجد أسباب مادية لتركه! ولا يمكن لأحد إخراجه من الحضانة حتى يصدر قرار المحكمة في الأمر. لا أعرف اسمه لكنّه لم يخرج من عقلي منذ أن سمعت عنه، هل يا ترى اسمه وسيم أو حسن؟ لأني كما سمعت أنه بحسنه يزيح القمر من مكانه.. لا بأس أسمح له بهذا. هل يا ترى اسمه وديع؟ لأنه ودود وسهل المعشر ويلعب مع الجميع ولا يبكي. هل يا ترى اسمه جابر؟ وسيجبر الله بخاطره ويكبر رغماً عن كل شيء كاملاً لا ينقصه شيء. تليق به كل الأسماء الجميلة التي تزيده قوة وثباتاً.. كن معه يا الله.

نعود الآن للعاشرة مساءاً من الثالث من أبريل، بعد أن أصبت عيني ماذا فعلت؟ صعدت إلى منزلي، غسلت عيناي، التي كانت الدموع تتساقط منها كالصخور.. أو كالبرد .. كبيرة قاسية حارة ومؤلمة رغم سيولتها. كنت قد أحضرت معي قهوة فجلست أشربها وقررت أن أتجاهل الألم وأتابع مسلسلي رغم أن عيني بدأت تُغلق شيئاً فشيئاً.

عند الواحدة صباحاً أي الرابع من أبريل، كلمتني صديقتي رغد.. عيوش مشغولة ولا فاضية؟ فاضية. بسوي مناقيش ونتفرج فيلم شرايك؟ ليكون الرد: يلاا اش ورانا .. كم أحب لقائتنا الفورية! أغلقت المسلسل الذي كنت أتابعه وتجهزت وعند الثانية والنصف صباحاً قابلتها بعين واحدة والأخرى مغلقة لا أقوى على فتحها، مرتدية نظارتي والدموع تتساقط من خلفها، وأنا مبتسمة كالجندي الذي سيحتفل ببدء إجازته رغماً عن كل ما يحدث وإذا فيه شي عنده القدرة على إيقافي فليتفضل. وبمجرد رؤيتها لي: “ياربي شفييك؟ قدامي أشوف على المستشفى” وقمت بإلهائها لعدة ساعات بالمناقيش والشاهي وفيلم السهرة The Secret Life of Bees الذي لم نتابعه جيّدا بسبب أحاديثنا المستمرة. بقينا نتحدث ونثرثر إلى أن سمعنا أذان الفجر، صلينا ثم خرجنا لنتمشى ونمشي وطوال الخمس ساعات كانت تقول لي يلاا المستشفى وأنا استمر في إلهائها، وحين أصبحت الساعة السابعة أعلنت استسلامي ورفعت رايتي البيضاء وبكل حنان العالم قالت لي: ” أعرف شدّة هالألم يا مدير، جربته قبل والله محد يصبر عليه، نروح الحين ونتطمن.. ما فيه إلا الخير لا تخافين”. يا حلوتي قولي لي أنتِ شجاعة، أنتِ قوية، لكن لا تطلبي مني ألا أخاف لأني حينها سأكون مصدر الخوف على هذه الأرض.

في خضمّ الألم لاحظت أنها تناديني دائماً يا مدير! فسألتها عن السبب؟ حيث أني لا أذكر أني قد تكلمت عن عملي أمامها، نتحدث في كل شيء إلا العمل ولا أعلم لماذا. فما سر هذه الكلمة؟ ومن أين أتت؟ ضحكت وقالت: “ليه ما عجبك الاسم؟” فرديت: “لا ماله دخل عجبني أو لا بس أبعرف السبب؟” ليصدمني السبب: ” يختي مشكلتك ما تشوفين نفسك وما تعرفين إنك رهيبة وليدر وكلامك وتفكيرك اللي بالنسبة لك عادي وطبيعي وتلقائي عظيييم عظيييم والله إنك مدير! عساني أشوفك فأفضل الأماكن يا مدير” لأرد على كل هذا اللطف: ” وااو .. هذا كله وأنا بعين وحدة” آمل أن أحافظ على سخريتي وتواضعي إن أصبحت.

بعد رحلة بحث مستمرة في طوارئ ثلاث مستشفيات نبحث بها عن طبيب عيون مناوب وجدنا ضالتنا، وحين جلسنا وبدأنا بالانتظار ابتدأت معنا نوبة ضحك هستيرية قمنا على أثرها بالتقاط العديد من الصور التي أوجه أصحابها مرهقة و(مفقّعة) فأنا لا أرى جيداً ورغد تستعد لمناقشتها القريبة جداً، فيما عدا ذلك لن يصدق كل من يجلس بجوارنا أنه من بيننا مريض ومرهق. لكسر وقت الانتظار، طلبت منها أن تقدم لي عرضاً تقديمياً لبحثها وأنها إذا نجحت في إيصاله خلال دقيقتين لشخص من خارج مجالها فهي تعد بعرف الأكاديميين ناجحة وبارعة ومني أنا مُجازة وحصلت على الدرجة من القمر. تخصصها علاقات دولية، وبحثها له علاقة بالقوانين التشريعية لمجلس الأمناء والدول التي لها حق الفيتو.. تحاول أن تجد أجوبة على العديد من الأسئلة مثل: لماذا هي محدودة بخمس دول، لماذا لا يوجد تنفيذ للعديد من القرارات؟ والكثير من الأشياء القانونية التي لا أعلم لماذا أو كيف فهمتها. هل ترون كم هي امرأة ناجحة أفهمتني فكرة بحثها وأنا في الطوارئ أنظر لها بعين واحدة بدون نظارة! دعواتكم لها بالتوفيق والنجاح وأن تبهر لجنة التحكيم بجودة بحثها وتمكّنها منه.

حين طال انتظارنا بدأت أرجف لا أعلم هل هو من النعاس أو من الألم أو من الخوف فأمسكت بيدي ولم تتركها إلى أن دخلت عند الطبيب، وبعد أن خرجت وعلى أثر عيني قطرات مخدّرة استخدمها الطبيب ليمكنني من فتحها والتي بدورها لوثت رموشي بلونها الفسفوري، أصبحت تتغزل بعيني وبجمالها وحسنها وروعتها وصوّرتها لتريني إلى أي حد عيني المتعبة رائعة! وأنا أشمق لها بعيني الثانية جزء مني يصدق ما تقول وجزء آخر يصرخ في رمضااان! طلبت منها أن تكف عن المبالغة، فزادت أختنا في الله جرعة الغزل فقط لتطمئنني أن كل شيء على ما يرام وليزول خوفي (لا يا شيخة مو كنتٍ مطنشة الألم). فأكثرت من الدعاء لها لأنه لولا الله ثم إلحاحها المستمر عليّ بالذهاب للطبيب لم أكن لأذهب ولتفاقمت المشكلة أثر مكابرتي المستمرة على الألم.

طوال الوقت الذي كنت أتألم فيه، كنت أخطر على بال أمي بشكلٍ مستمر، وفي كل مرة كانت تؤجل اتصالها لسبب مختلف، إلى أن نامت في الوقت الذي عدت به من المستشفى! حين أخبرتني في المساء جلست أسبح الله على هذه المقدرة، مقدرة الأمهات ومن يحبونك فعلاً على رؤيتهم لك بقلوبهم. طردت عيني بدموعها كل الثقل والتعب الذي كانت تحمله وعجزت عن إخراجه الفترة الماضية، قد تكون عيناي جميلة لكن المؤكد أنها لم تراها بعينيها فحسب، بل رأتها بعيون قلبها.

العاشرة والنصف صباحاً، وبعد أن وضعت رأسي على المخدة، وعيني مغلقة نتيجة استخدام القطرات والمراهم.. فكّرت، من الذي سيفكر بـ(وسيم، حسن، وديع، جابر..) ويراه ويشعر به بعين قلبه حين يتألم.

اليوم أنا بخير وعلى ما يرام، أكتب وأنا أرى جيداً بعيناي ولله الحمد وبعد أيام سيختفي ما تبقى من ألم واحمرار، ولن أتجاهل أي طريقة يطلب بها مني جسدي أو روحي أن أستريح.

شكراً لحماسكم وانتظاركم لهذه التدوينة، شكراً لعودتكم مرة أخرى لتحديث الصفحة! ❤️

تمت

السبت\الثامن من أبريل\2023 ، الواحدة صباحاً

4 replies on “عيون القلب”

أهلاً بك بحر ،
الله يسلمك والشر ما يجيك يارب
اللهم آمين ..
يسعدني تواجدك وقرائتك المستمرة للمدونة فشكراً لك.

إعجاب

رد

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s