التصنيفات
كتب

مراجعة رواية حفرة إلى السماء – عبدالله آل عياف

حفرة إلى السماء، رواية سعودية للكاتب والمخرج السعودي عبدالله آل عياف، الرواية من نشر دار مسكيلياني عدد صفحاتها 312 صفحة وتتكون من اثنا عشر فصلاً. سأحاول الحديث عنها دون أن أحرق أحداثها.. أو بشكل لا يحرق كل أحداثها .. لا أعرف حقاً، سنرى.

الراوية تتحدث عن قرية اسمها مِجهرة، يروي قصة هذه القرية عدة شخصيات مما يجعلك ترى هذه القرية بعين كل شخص يعيش فيها من يحبها أو يكرهها أو يهرب إليها أو يهرب منها. لكن تبقى الحقيقة الثابتة أنه لا أحد يعرف حقيقة مجهرة التي تنجح بابتلاع حكاياتها وأسرارها ودفنها هي وأصحابها. الرواية تحكي عن مجتمع قروي تعيش فيه عائلتان يتنازع ويتصارع أفرادها على امتداد أجيال، في محاولة فرض سيطرة وهيمنة قوى إحداهما على الأخرى وعلى القرية وأراضيها، ومائها، ونخلها، ومقبرتها.

المقبرة التي شهدت ولادة غيث في قبر جده، المقبرة التي توسعت بسبب حادث قُتل به شخص في الطريق الذي يقسمها لقسمين، المقبرة التي تبدأ منها الرواية وتنهي عندها. مجهرة التي يهاب أهلها البحر والساحل الذي غرق به بعض أهلها أو حتى الحديث عنه، أمهات مجهرة اللواتي تقصصن الحكايات المخيفة لأطفالهم محاولين إيقاف فضولهم عنه.. فهل يموت فضولهم؟

كأي مجتمع قروي يعيش على الإشاعات والأكاذيب وتتفشى به العنصرية المقيتة والجهل. يحارب ويحاول دفن أي سؤال إما بالتوبيخ لسائله، أو تخويفه، أو الاستخفاف به! سترى كيف يحاول أهلها دفن بعضهم أحياء، ومنعهم من العيش لا لشيء محدد سوى الخوف، الخوف من المجهول، الخوف من المستقبل، الخوف من الجديد، الخوف من التغيير. ستقرأ وأنت تلعن الجهل والكذب والجبن والخوف الذي يكبّل شخصياتها، ستتساءل هل يوجد فيهم الجسور الذي يمكنه النجاة من مجهرة قبل أن تنال منه.

حين يصبح إرث العائلة المبني على الظلم أهم من العدل عند من يفترض به أن يقيم العدل. حين تقسو قلوب الأمهات وتصبح أقسى من الحجر وتنتقل مشاعرهن من قلوب أطفالهم لقلوب النخل. حين يسيطر الشعور بالذنب على طفل كل ما أراده هو أن يلعب مع صديقه لا أن يتسبب بموته، الذي طارده شبحه إلى أن صار شيخاً. حين يصبح المعلم شيطاناً لأنه يؤدي عمله على أكمل وجه فيؤثر أن يكون ملاكاً حارساً لطلابه.

وأنا أقرأ تذكرت العديد من الحكايات القديمة التي أخبرتني بها جدتي، وربما هذا هو ما أثار حنقي نحو كثير من أحداث الرواية مما جعلني أحمد الله أني لم أولد بمكان كمجهرة! لأني حتماً سأترك القرية مثل حمود دون أن أبالي بكل ما يقال عني لأني لن احتمل العيش بها.

أحببت هذه الشخصيات: ظافر، وفطوم، وحمود، وغيث. وهذا الأخير وجعني قلبي عليه كثيراً.. ربما لأني أحب المطر فألمني أنه ليس له من اسمه نصيب. أعجبني اسم القرية مجهرة.. ولارتباطي بالمجاهر ورؤية ما لا يرى بالعين المجردة، أضحكني اسمها الساخر.. مجهرة التي تبصر كل شيء ولا يبصر فيها أحد.

اعتدت كقارئة تحب القصص والحكايات حين أقيّم الروايات التي أقرأ أن أقيّمها على جودة الكتابة، بناء القصة، الدهشة، أن استمتع بقراءتها إلى حد أنّها تسرقني لمدة طويلة في صفحاتها من كل شيء، وأن أرى أحداثها في مخيلتي وأخرجها فيه كفيلم. هذه الرواية كُتبت بإتقان، واختلط بها العامي بالفصيح بشكل مناسب لأحداثها وطريقة حديث شخصياتها.. الّذين أستطيع سماع لهجاتهم في مخيلتي. إنها تستحق العلامة الكاملة. لدي بعض الأسئلة التي تشابه أسئلة أطفال مجهرة ليس لها إجابات.. مثل: أين ذهب والد غيث؟ لماذا يا تيماء؟ هل وصلت أم مبخوت إلى بلادها أم ابتلعتها مجهرة؟

لكل قرية مجنونها، ولكنّ مجهرة لديها مجانين.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s