
للمرة الأولى منذ وقت طويل أكتب خارج المنزل بعيداً عن مكتبي حيث اعتدت أن أكتب. لا أحبذ الكتابة أمام أي أحد، لا أستطيع منع إظهار ما يغيّره التفكير على ملامحي وتأثري بما أكتب، قبل سنوات كنت أكتب في مفكرتي الورقية في أحد مقاهي الجامعة وأنا متحمسة وأقلّب الورق حين وصلت للورقة الثالثة توقفت ورفعت رأسي لأجد الفتاة التي أمامي تنظر لي مرتابة وفي عينيها نظرة متسائلة ماذا عساها تكتب بهذه الاستمرارية والحماس؟ لا سماعات في أذنها ولا تنقل من كتاب. نظرت إليها لربما تريد استخدام فيش الكهرباء بجانبي لشحن جوالها وخجلت أن تقاطعني فسألتها: تبغين شي؟ فأشارت برأسها لا، فعدت لقراءة ما كتبت بعد أن قطعت عينيها تسلسل أفكاري حيث أني كنت أكتب قصة قصيرة، لأجدها بعد دقيقة قد وقفت وغادرت المكان فتنفست الصعداء ولم أكمل تلك القصة إلى هذه اللحظة.. لم اتوقف نتيجة لتحديقها المستمر بل لأني قررت أن أتعامل مع الموقف مثل اللحظة الجميلة التي يفسدها وجود زائر غير مرحب به فلا يمكن تكرارها أو إعادتها مهما حاولت لأنها انتهت.
*****
حملت جهازي معي رغبة في إكمال قراءة رواية أكثر بكثير لبسام كوسا دون أن أخطط للكتابة، على الرغم أني لم أر انطباعات جيدة عنها من بعض قرائها، بل الكثير أظهر خيبة أملهم فيها لكن وصلت لمنتصفها ولم أفهم لماذا لم تعجبهم! فتذكرت أني لا أكترث برأي أي أحد عن الأدب والفن لأنها مسألة تذوق شخصي. إلى هذه اللحظة أنا مستمتعة بها وأنوي إنهائها اليوم وكتابة مراجعتها فوراً.. العجيب أني قرأتها بصوته ربما هذا ما زاد استمتاعي بها، فأستطيع تخمين مواطن السخرية والتهكم التي تمتلئ بها الرواية لأنه كتب كما يتحدث ولأني أحب تمثيله وطريقته في التعبير فربما هذا سبب آخر جعلني استمر بالقراءة فأصبح الأمر وكأني أقرأ لصديق أفهمه معتادة على أسلوب حديثه وكتابته.

*****
أكتب الآن والمقهى شبه فارغ على الرغم أن اطلالته جميلة وقت الغروب لكنّ الحمقى الذين يحبون التزاحم بعد العاشرة مساءاً كثر.. العمال الآن يتحدثون بالهندية بثقة الشخص الذي يعلم أنه لا يوجد أحد يفهمه في المكان إلا صديقه، حديثهم ليس ممتع البتّة.. ممتلئ بالأرقام والحسابات فتوقفت عن الاستماع وأغلقت زر الفهم … ألهذا الحديث الممل انتبهت!
*****
أجني في الفترة الأخيرة تعب مجهود استمر لسنوات طويلة، وكأن الله يخبرني أنا لم أنساكِ أبداً. لم أنس الإرهاق ولا القهر ولا التعب، أو البكاء، أو قلة النوم، أو الظلم أو الأزمات التي تجاوزتيها طوال تلك الفترة التي كنت تقولين فيها لنفسك وأنتِ متأملة أن نهاية هذه المشقة قريبة وأنه ليس للإنسان إلّا ما سعى. ما أفعله آثره يمتد لأشخاص كثر يستفيدون وينتفعون منه ولا يعلمون أني مدينة بالكثير لكلماتهم الطيبة فهي وقود لي يحفزني في أيامي القادمة. أخبرني العديد من الأشخاص خلال الشهرين الماضية عن الأثر الإيجابي والاستفادة التي وصلتهم، لا يعلمون أنه استغرق مني أكثر من عشر سنوات لأصل لما أنا عليه، ولا يعلمون أن الطريق لم يكن وعراً فحسب، بل أنني شققته بنفسي وأوجدته من العدم. لكن لم يؤثر بي بشدة إلا ما سمعته بالأمس حيث قالت لي إحدى السيدات اللطيفات: “يا عائشة إنتي نزلتي لي من السماء وأنا في أمسّ حاجتي لك .. أخذتي بيدي ومشيت معك في طريق مجهول عليّ وما أعرف عنه شي والحين ما عدت خايفة من شي وما أقول غير الله يبارك فيك ويبارك لك.” وضربت على رجلها من شدة الحماس.
يبارك فيك ويبارك لك هذه الجملة أبكتني من الفرح لأن الله أخبرني على لسانها: “أنا استجبت لك” فالحمد لله. صليت المغرب وأنا منشرحة الخاطر من السعادة ودعوت لي ولها بالتوفيق. تحدثت مع أمي وقلت لها: مدري فين أروح بكل هالسعادة حتى أني من شدة التأثر نقلت لها العدوى فصارت تبتسم لي قبل حتى أن أخبرها عن سبب هذه السعادة! أقول لها: كنت تعبانة وتبخر التعب.. ودي أطلع أتقهوى بس بأخرب نظام نومي .. ولا شرايك أطلع أتعشى بس لا شكلي بيطلع أهبل وأنا اتعشى لوحدي وأتبوسم بدون سبب.. لتقول وهي تضحك: “هو واضح إنك بتخرجين بس عجّلي وقرري وجهتك قبل ما تطلعين لي من الشاشة” فقررت تأجيل القهوة للغد وأخرج أمشي في الحي وأمر على السوبرماركت في طريق عودتي للمنزل لاشترى ايس كريم ومن ثم أتابع فيلم ما. فذهبت وعدت وأنا أقفز وأغني لأن شوشو التي بداخلي قررت أن تعبّر عن نفسها.. أرجو الآن أنه لم يراني أو يصورني أحد.
*****
أحلامي غريبة في هذه الفترة لا أستطيع التمييز هل هي أحلام، أم رؤى، أم تخاطر، أم هي حلقات من مسلسل ما وكل يوم لدينا حلقة بقصة جديدة؟ أكتفي بتأملها فكل مرة أقول بها أني لن أندهش منها تدهشني بشيء جديد. قلت منذ فترة أنه يجب عليّ أن أخذ أحلامي على محمل جد لأنه بها يكمن المجد. فماذا لو تحوّل هذا القول لفعل وأصبحت أدوّن أحلامي لعل وعسى أن أخرج منها بأفكار انسيبشنيه (كلمة من اختراعي مستوحاه من اسم فيلم Inception). لأني لا أود أن أحلم باختراعات كحلقة البنزين التي وصل لتركيبها البنائي مخترعها بعد أن حلم بأفعى تأكل ذيلها فقرر ترتيب ذرات الكربون بحسب شكلها، تلك الأفعى التي حصلنا بسببها على مركب البنزين ونشأة الكيمياء العضوية التي نشأ معها العديد من الكيميائيين الساخطين. لذلك أريد أن يكون مجال الإلهام مفتوح لكل الأفكار التي يمكنني الاستفادة منها أينما كنت.
2 replies on “باركني أينما كنت”
احسنتي
إعجابإعجاب
[…] تذكرون السيدة التي أخبرتني أني نزلت لها من السماء؟ بشرتني بالأمس بإنجاز لها ولشدة فرحي الشديد بها، شعرت […]
إعجابإعجاب