التصنيفات
غير مصنف

سيأتي وقتي

Nicole Rifkin

كنت قد تحدثت مسبقا في (ولد العنقاء من رماده) أنّ عامي الجديد يبدأ فعليّا يوم ميلادي وأني أسمّي كل عام ينتهي باسم يكون هو العنوان العريض لما عشت فيه. لأول مرة يقترب عيد ميلادي دون أن يكون لدي عنوان يصف سنتي، بدأت بكتابة هذه التدوينة في الثامن عشر من يونيو بدون عنوان لنرى بأي عنوان سأنتهي وماذا وكيف سأكتب عنها.

حدث الكثير في العام الماضي، تحققت بعض من أحلامي التي لم أتخيل أن تتحقق بالشكل الذي حصلت به. عشت بمدينة جديدة، لم أشعر بالغربة بها ومشيت بها كما لم أمشِ من قبل. شعرت بالوحدة في بعض الأيام لكن لم تضيق بي .. الروميت الطيب رزق، الجيران اللطيفين رزق، الصحبة الخفيفة على القلب والروح رزق، اللهفة والحب التي أسمعها في أصوات عائلتي في كل مرة أتصل بهم رزق، وصوت عبد الفتاح جريني الذي أعادتني له خوارزميات اليوتيوب رزق. صحيح ان صوته فتح لي بوابة زمنية عشت فيها وقت لا بأس به.. لكن أقلّها عرفت أنها كلك بتلات كلمات وليس تلت بتلت كلمات كما كنت أسمعها، والأجمل أن أغنيتي المفضلة له لا زالت هي المفضلة والأقرب لقلبي وبالطبع لن أشاركها. وصوت بهاء سلطان الذي عاد وافتتح العام الجديد بتعال أدلّعك رزق.. أرجوك أكثر من الدلال فهذا واللهِ كل ما احتاجه. أحببت أنه أخذ شهرين في إصدار ألبومه الأخير كل أسبوع أغنية جديدة، يا إلهي كأنه يقول كل أغنية تستحق الدلال.. بس أهو يومين حلوين ويومين وحشين وبتعدي.. ولا تدري مش مهم لأننا عاملين الصح.

لا أعلم لماذا استمر بنسيان دور التسليم في حياتي، في اللحظات التي آمنت بها أني فعلت كل ما بوسعي وتوكلت على الله وتركت أمري له.. ساق لي كل ما أريد دون عناء. الاستمرار بالمحاولة مهم؛ الاستماتة للحصول على نتيجةٍ ما تصرف ممرض وقاتل، ولن أستميت لأي أمر عدا الحياة لأني عائشة. لن أغلق قبضتي على أي شيء ولن أتعلّق بأي حلم، أو رغبة، أو سبب، أو قشة، بل سأترك كل ما أغلقت عليه قبضة يديّ وسأجعل راحتيّ ممدودة فارغة نحو الفضاء.

اجتاحتني الفترة الأخيرة رغبة قوية بالزراعة.. أود أن أزرع، وأحفر الأرض، وأبذر البذور، وأنقل الشتلات من الأصّيص للأرض بحذر على جذورها الرقيقة دون أن أرتدي أي قفازات. أود أن ألعب بالتربة والطين إلى أن تمتلئ رئتيّ من رائحتهما، لكن هذا الصيف لا يساعدني حتى في التخيّل.. وأبدأ فورا بالنتح. سأواصل المشي.. ربما بهذا الإلحاح ستمتد الجذور من قدميّ، فأصير شجرة.

Femke Muntz – Puddle of Flowers

“عندما تتخطى مرحلة صعبة من حياتِك، أكمل الحياة كناجٍ وليس كضحية! – جلال الدين الرومي”.

احتاج أن أضع الجملة السابقة في خلفية عقلي بوضع التكرار لأستمر في تذكر هذه الحقيقة. أضيع أحياناً في أحداث الماضي المزعجة، لتعود لي مشاعر ظننت أني نسيتها لكن جزء منها علق في سيالاتي العصبية. في كل مرة تبزغ هذه العوالق، أحاول أن أتتبع الأمر لأفهم سبب وجودها، فأنا تغيّرت.. وفهمت.. وتعلّمت.. ولم أعد أنا.. وأصبحت شخصاُ مختلف فلماذا أنسى هذه الحقيقة؟ لماذا ذاكرتي تحتفظ بهذا الهراء! أظن أن هذه هي لعنة برج السرطان فحتى عندما تتخلى عن الدراما لأنك لست ممثل مسرحي ولا تحتاجها.. تغضب منك لتعود وتلتصق بك مجدداً! أحاول البحث عن شيء احتاج حلّه أو تعلّمه من هذه العوالق لأتخلص منها. يوجد شيء عليّ الانتهاء منه لأضع قدميّ في موضعٍ راسخ لا يتزعزع ولم أجده بعد أو ربما وجدته وأهرب من مواجهته.

واجهت العديد من مخاوفي، تغلبت على البعض منها ولا زلت أحاول في هزيمة المتبقي منها وسأفعل. حين فهمت سبب نشأه وجذر أحد مخاوفي انتهت مشكلة صحية عانيت منها خلال الصيف الماضي. لم أترك أي طبيب أو فحص لم أجريه أريد أن يخبرني أحد ما علتي والكل يخبرني أن الفحوصات جيدة؛ ولا تعانين من شيء لكن أنا لا أشعر أني على ما يرام. هؤلاء الأطباء يريدون مني أن أكفر بالطب الحديث بتكهناتهم التي لا تجد شيء. لكن لأن نيتي بالشفاء كانت صادقة وجدت ضالتي وفهمت وشُفيت. من كان يظن أنّ كل ذلك الألم سببه إفراطك بتحمل ما يؤذيك لأنك كنت تفهم معنى الصبر بشكلٍ خاطئ، وتظن أنّك بهذه الطريقة ستتصف بالصبر وستكون شخصاً صبوراً! تعيش بجرح مفتوح دون تنظيف وتعقيم وعلاج وتضميد، وتظن أنك بخير! بينما روحك تنزف لسنوات دون أن تعلم لأنك صبور يا صبور!

“تحملتك تسعة أشهر في بطني.. كيف ما تبغيني الآن اتحملك؟”.

لا أعلم كيف أصف شهر مايو الماضي.. كل ما يمكنني قوله هو أني لا أظن أني سأصل أو سأحقق ربع ما حققت بحياتي دون وجود أمي، أعلم أن الأغلب يقول عن أمه ما سأقول لكن أمي هي أعظم أم بالكون. ولا أظن أني كنت سأصل لهذه اللحظة التي أكتب بها الآن لو لم تكن أمي بجواري طوال الفترة الماضية. وحين أقول بجواري لا أعني تواجدها الجسدي فقط، بل كلّها كانت معي.. بعقلها، بفكرها، بروحها، بصوتها، بجسدها كانت معي. حتى حين كسرني الألم وبكيت صامتة وهي تحدّثني لم يفلت صمتي منها وسألت: أنتِ تبكي؟ فأنكرت وتجاهلت كذبي وتجاهلت أنا إمساكها لي كاذبة. بعد أن هدأت قلت لها: شكراً لأنك لسا متحملتني فقالت ساخرة: “تحملتك تسعة أشهر في بطني.. كيف ما تبغيني الآن اتحملك؟”.

عائشة بعمر سنة، ونظرة خالية من المعنى نحو المستقبل المجهول.. كتاب حياتي يا عييين :d كله أفراح والله

ولهذه التسعة أشهر حكاية لطيفة سأشاركها معكم، فأنا رافقتها طوال فترة حملها بي في أروقة قسم اللغة العربية، حضرت معها محاضرات البلاغة والنقد، والنحو، والأدب. أظن أنني كنت أرفس بشدة في النحو، وأنام بسكون واستكنان في الأدب، وأهدأ ولا أركلها في محاضرات البلاغة والنقد لأني أحب الاستعارات والتشبيهات ولا زلت استخدمها في حديثي معها. من الأمور التي كرهتها والدتي أثناء الوحام هي الكتب، لم تكن تتحمل شكلها أو قراءتها أو رائحتها، فابتليت أنا بها. طوال فترة الاختبارات النهائية للفصل الثاني كانت تخشى أن تلد قبل أن تنتهي من الاختبارات.. أنهت اختباراتها الثلاثاء وولدتني الأربعاء وفي كل عام تقول: “لو كان عندي اختبار الأربعاء كان فاتني” فأقول لها: “جمّلت معاك سنة كاملة، أكيد كنت بجمّلها معك هاليوم”. فحين تخبرني أنها تحمّلتني تسعة أشهر فكيف الآن! أفهم معنى المشقة التي تعنيها.. أحبّك يا هدية الرب وشكرأ لأنك أمي. اليوم خميس ليس أربعاء، لكن تتغير الأعوام ولا زلت أفتتح مواسم الإجازات.

ظهر لي العنوان المناسب لسنتي الماضية التي انتهت بالأمس (سيأتي وقتي – Apna time Aayega) في الوقت الذي كنت أتابع فيه فيلم رانفير سينغ الأخير jayeshbhai jordaar الذي نجح بإضحاكي في وقت كل ما أمر به يجلب الكدر. أحب هذا النوع من السخرية التي تعيش فيها شخصيات الفيلم دون أن تعي أن حالها يندى له الجبين. أعود لعنوان السنة سيأتي وقتي، وهو عنوان لأغنية من فيلم آخر لرانفير Gully boy وهو الفيلم الذي رشحته الهند لينافس في قائمة الأوسكار للأفلام الأجنبية في 2019 لكنه لم يصل للقائمة النهائية. الفيلم مذهل لقصة حقيقية ويستحق المشاهدة. يكفيه أني أخترت أغنيته عنواناً لعامي الماضي. الأغنية المرفقة ليست بجودة جيّدة لكن ترجمتها جيدة.. إذا أعجبتكم ابحثوا عن النسخة الأصلية وستجدونها.

وجدتُ مرآتي، أظن أني وجدتها.. حسناً لا أظن، بل متأكدة أني وجدتها. أمامها أظهر كما أنا، لا أضطر للتجمّل المبالغ به ولا لإخفاء بشاعتي. حين أود أن أخبرها بأي أمر أجدها تسبقني في عكسه لي. كل المرايا باختلاف أنواع عدساتها تعكِس الصور المادية التي تشغل حيّز من الفراغ.. عدا مرآتي فهي امتدت إلى عوالمٍ أخرى. تجدُ ما أجهله فيّ دون أن أبحث عنه، ترى تفاصيلي دون أن تلجأ لاستخدام أيّ قوة تكبير، أحب أن أراني بها في الضوء والظلام، بعيدة كنت أو قريبة، في السعادة والحزن، في الراحة والشدّة. يمكنك أن تجد هذه المرآة في كل مكان عدا محلات التحف والأنتيك؛ لذلك أخفيها بغطاءٍ مُخملي سحريّ بعيداً عن أنظار الفضوليين.

انتهى مسلسل This is us ولا أجد ما أتابعه في كل أربعاء وهذا أمر مؤسف لأنه لا توجد مسلسلات بقصص محبكة جيّدا وشخصيات عميقة ومعقدة رائعة تجعلني انتظر الأربعاء بعيون كلها قلوب وتضفي على يومي المفضل المزيد من الروعة. ثنائي جاك وريبيكا هو المفضل عند الجميع وأنا منهم بالطبع، لكن ثنائي راندال وبيث.. به شيء مميز وجدت نفسي فيه. هذا الانسجام والتماهي والوضوح والمؤازرة والدعم في الأيام الجيدة والسيئة بينهما هو ما أريد أن أعيشه، بل أود أن أعيش ما هو أفضل منه. حين شاهدت هذا المشهد ضحكت بشدة، إنها فعلا تشبهني. أي اقتراحات لمسلسل يشابهه بالروعة مرحب بها.

هذه التدوينة كادت أن تُفقد في حادث تقني مأساوي كاد أن يفقدني كل ملفاتي على جهاز الكمبيوتر، لكن الحمد لله على تواجد شقيقي رجل المهمات الصعبة الذي حل لي هذه المشكلة والا كنت سأحتفل بسيول من الدموع. الفراغ السابق لإثبات المشكلة.
في الوقت الذي ألقي فيه نظرة أخيرة على ما كتبت تفاجأت بصدور أغنية جديدة لروبي.. أغانيها رفيقة الدهشة والبهجة والسعادة وخفة الروح والقلب فكيف إذا كنا أنا وأنت والقمر يا قمر يا قمر.. وجدت أغنية مناسبة ومليئة بالفرح لأفتتح بها آخر سنة في العشرين.. شكراً روبي.

كل ما أنويه وأرجوه لعامي القادم أن تكون أيامه ولحظاته خفيفة ولطيفة سهلة وميسرة، مليئة بالسكينة والطمأنينة والعافية والسلام وأن يرشدني ويلهمني الله لكل ما فيه خير وبركة وتوفيق لي.

شكراً لكل من أكمل قراءة هذه الدراما إلى أخر كلمة.. هذه التدوينة ومعظم تدوينات هذا العام كانت مشبّعة بها، ولن أعد بتخفيفها فأنا أتماهى مع ما أشعر.. لذلك سأشكركم مقدما على ما ستقرأون.. والتدوينة القادمة ستكون ملخص لكتاب فلسفة المشي.

حينما أصبحت الساعة 12:00 جاء اللطيف رقيق القلب Lion وقال لي: “عائشة دوبها صارت الساعة 12 وتغير التاريخ ليوم ثلاثين .. happy birthday!” ولعامي الجديد أقول:

Apna time Aayega.

2 replies on “سيأتي وقتي”

كل عام وأنتِ عائشة وبالف خير، وان شاء الله تكون أيامك كلها خير.
كلماتك كانت مواساة لشخص غريب من بلاد أخرى، ولكن لمست روحي.
وعلى فكرة كنت بسمع اغنية الجريني زيك بالضبط 😁
وشكراً على عنوان الفيلم الهندي، وضعته في قائمة المشاهدة.
اقترح لكِ مشاهدة مسلسل
Normal people
ربما يلقى استحسانك.
عيد ميلاد سعيد، وليكن باذن الله عام جبر الخواطر، وراحة البال❤️

Liked by 1 person

شكراً رشا وأنتِ بكل خير يارب ❤️
يسعدني والله إنه كلماتي تكون قريبة لأرواحكم وقلوبكم وتلمس شيء حقيقي بكم رغماً عن كل هذه المسافات.
ههههههه هذه المشاركة خففت عني صدمتي بكلمة كلك في الأغنية😁
أتمنى لك مشاهدة ممتعة للفيلم وسأضع المسلسل في القائمة.
أمين يارب وأرجو لك المثل، شكراً على لطفك وذوقك ❤️

Liked by 1 person

رد

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s