” بعض الأشخاص يشعرون بالمطر. والبعض يتبلل فقط” بوب مارلي.
“Some people feel the rain. Others just get wet.” Bob marley.
كنت أقرأ في كتاب سنة التفكير السحري لجوان ديدون.. ولفت انتباهي سطر بما معناه (الكتاب ليس بجانبي الآن): تظهر مشاعر الحزن المؤجلة على الإنسان على شكل آلام مختلفة فيحدث أن يضعف بصرك أو سمعك أو تنشأ لديك حساسية مفاجأة لنوع من الأطعمة بسبب الحزن الذي قررت أن تضعه خلف ظهرك دون أن تواجهه ظنّاً منك أنك تجاوزته.
الوقت الذي أمضيته بمفردي الفترة السابقة، فتح ذهني على العديد من الأمور التي كنت أؤجل التعامل معها منذ سنوات عديدة.. هذا أمر رائع وممتاز للغاية لكن التوقيت سيء .. سيء جداً. لا أستطيع حتى أن أوارب الباب ليتسلل إليها ضوء خافت يقلل من عتمتها، لأول مرة يؤلمني الإدراك. تحوّل الألم لصداع مزمن لا يذهب بالقهوة ولا بالمسكنات ولا بالتنفس العميق ولا أي خدعة نفسية نجحت في التخفيف منه بل زاد الأرق من شدته. في كل مرة أركز على المذاكرة وانغمس بها تأتي هذه الإشارات ترقص أمامي وتنغص عليَّ صفوي وتفسد دراستي. طوال الأسبوعين الماضية وأنا أدفع ثمن إخفاءها تحت سجاد اسميته (ليس الآن) إلى أن أصبح المشي فوق ليس الآن أمر متعب ومنهك.. لم يصل المشي للاستحالة بعد وأرجو ألّا يصل.
في الفترة الماضية نال منّي الأرق ما نال، وحتى الساعات القليلة التي أنامها تيقظني الكوابيس منها وأبقى في حالة ترنّح ما بين اليقظة والنوم. أظنّ أنه يوجد عالمٌ بينهما يجتمع به كل المؤرَّقين على الأرض ومن شدة الازدحام يبدو وقعه على الرأس ثقيلاً. بعد أن استيقظت في الثانية صباحاً وانتابتني حالة فزع من أحد كوابيسي.. وفي محاولة مني لأعود للنوم، وعوضاً عن حيل العد التنازلي التي لا تنجح معي، حاولت أن أتذكر أكثر أوقاتي أرقاً وكيف نجحت بلقاء النوم حينها.. تذكرت ذلك اليوم الممطر الأول من نوفمبر 2018، استمر فيه المطر بالهطول بخفة لأكثر من ثلاثين ساعة متواصلة، لا يوجد استقبال أجمل من المطر لصديقي المفضّل نوفمبر. فتحت نافذتي ونمت بعمق شديد على صوته وأيقظني صباحاً ضوء الشمس الخافت وصوت المطر الذي كان وقعه أحنّ من منبه هاتفي على سمعي.
لطالما كان المطر رفيقاً مؤنساً لي.. وأحب استعداده في المجيء إليّ. أصوات الرعد المتفاوتة في شدتها، البرق الذي يستخدمه كعلامة يخبرني فيها عن المسافة المتبقية له حتى يصلني. صوته الذي يخشاه الكثير ويهربون منه إلى منازلهم من شدة خوفهم، أسمع فيه نداءاً يطلب مني الخروج لرؤيته. تسابق قطراته في الهطول على يدي ووجهي هي طريقته بالتعبير عن اشتياقه لي. أحبُّ أن أنتظره رافعة رأسي نحو السماء متسائلة من أي غيمة ستهلّ قطراته.
في محاولة منّي لإحياء تلك اللحظة بحثتُ عن صوتٍ للمطر في اليوتيوب، إلى أن وجدت صوتاً يلائمني، صوتٌ بإمكاني الإنصات إليه ولما خلفه إلى أن أغفو كطفل دون أن أشعر بنفسي. نجحت التجربة ونمت! الفرق أنّي أحببت البقاء لمدة أطول في الفراش، فالغرفة باردة كما أحب ونور الصباح يتسلل من خلف الستارة بخفة وصوت المطر الهادئ في الخلفية.. يُحيي رائحة التراب المبتل في ذاكرتي، فتسكنُ روحي.. وعيناي معها.