لو كان لها عينين لرأيت الدموع محتبسةً بهما، ولو كان لها وجه لرأيتُ ملامحَ الغضب عليه. هذا ما كانت تبدو عليه غرفتي التي زرتها لأيام قليلة ولم تسِعَني بما رحُبَت.. لم أبقى بها لأكثر من ثلاثة ساعات مجتمعة، هوائها خنقني وأصابني بالاضطراب. على الرغم أنّي ودّعتها جيداً لكن لم أستطع أن أمنع الحزن عنها. مقبض الباب تغيرت شدّته، حين أفتحه يقاوم ويعلق.. وبعض المرات يعود بوجهي لأدفعهُ مرةً ثانية مستغربةً من هذا التمرّد! حين أخرج وأغلقه خلفي، يتحرك بسرعة ويصطدم بشدة صارخاً بوجهي إيّاكِ أن تعودي!
أضعُ بعض الأغراضِ هنا وهناك فلا أجدها.. تبتلعها وتخفيها عنّي عمداً. أصبحت أرضيّتها قارسة البرودة بشكلٍ غريب، لا احتمل وضع قدميّ عليها دون جوارب. تُظهر جفاءها وقسوتها عليّ بهذه الطريقة لكن لا بأس، فهي هكذا تعبّر عن حزنها. انتبهت أنّ نشاطي المفضل في آخر عامين هو التخفف من كل شيء لا استخدمه ولا احتاجه، فأصبح الأمر كأنه مخططٌ ومدبراً له وأني كنت أجهز نفسي لوداعها منذُ زمن دون أشعر.
فكرتُ طويلاً بماهيّة الإحساس الذي تشعر به .. رافقتني في أيامي الجيدة والسيئة، ويحق لها أن تظهر ألمها وامتعاضها وأن تعبّر عمّا تشعر كيفما تشاء. جدارها المجاور لسريري سندني لأوقاتٍ طويلة، سمع ثرثرتي قبل النوم في الليالي التي غلبني فيها الأرق كثيراً. أدراج خزانتي احتملت ولا زالت تحتمل فوضتي المنظمة بشكلٍ لا يحتمله أي أحد. بابها الغاضب تألّمت بالاصطدام في حافته مراتٍ عديدة، والتقطت وراءه أجمل الصور. أرضيّتها الباردة تحمّلت خطواتي أثناء المذاكرة ذهاباً ومجيئاً لسنواتٍ عديدة، تتغير المراحل وتبقى صحبتها لي بالمشي باقية.
وقفت طويلاً أمام مرآتها.. ليس لأسألها: مرآتي يا مرآة.. من هي أجمل امرأة على الأرض؟ بل لأستذكر أسماء الميكروبات والأمراض التي تسببها ولأشرح لها كل شي أتعلمه واتأكد منها أني فهمت. وهذا لا يعني أني لا أقف وأسألها من هي أجمل امرأة على الأرض؟ بل لأقول لها دائماً: أووه شكراً لكِ.. بالطبعِ أعلم هذا يا مرآتي، لذلك لا يليق بي مكاناً سوى القمر ليُبصرني كلّ من على الأرض.
بالنسبة لي، لستِ جماداً على الإطلاق ولن تكوني أبداً. ستتحسن علاقتي معكِ مع الوقت وستعتادين على غيابي وستدركين أنّي لن أخاصمك وأنساكِ مهما ابتعدت.. أعدكِ بذلك.
عائشة على القمر 