بعد حديث عن تقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مع الصديقة بثينة، اتفقنا على مشاركة هذه التجربة بكتابة تدوينة عن هذه الرحلة المميزة والتي تأتي فكرة التخلي عن استخدامها وتركها غريبة في عالم أصبح اليوم معتمداً بشكل كامل على الحياة من خلالها.
توجد لدي تدوينة سابقة تحدثت بها عن أهمية الاعتناء بنوعية المحتوى الذي نتعرض له في كل يوم. إسفنجة معبأة بالهراء
بداية الحكاية:
سأبدأ بالبرنامج الذي استهلك وقتا كبير من حياتي في استخدامه.. تويتر. لا أعلم هل اعتبر نفسي محظوظة لأني عشت الفترة الذهبية 2011-2014 لهذا الموقع أم لا. الاندفاع بمتابعة أكثر من 800 شخص من مجالات واهتمامات مختلفة جميعهم يملكون حماس شديد لما يشاركونه لحد أنّك تستطيع التمييز بين الاهتمام المزيف (التظاهر) والحقيقي. امتلئ التايم لاين لديّ بنصوص عديدة غير مترابطة وجميعها مهمة لي (هكذا كنت أعتقد).
اكتشفت حينها القوائم فرتبت قائمة المتابعين بحسب مجالاتهم حتى أُبقي على نوع من الترابط والصلة في نوعيّة المحتوى ولا أتشتت. فتقلصت القائمة لـ350 شخص ولا زلت أرى العدد كبير جداً.. اتبعت بعض من القواعد في تصفيتهم: أشخاص أعرفهم شخصياً، أشخاص يقدمون محتوى أصيل ومميز يثرون يومي، أشخاص يضحكونني أو يشاركونني نفس الاهتمامات، والأهم لا وجود للشتائم في حسابي. أفهم أن يزل لسان الشخص ويشتم على أرض الواقع لكن أن يشتم وهو لديه الفرصة بالقراءة والتفكير مليون مرة أمر لا أقبله لذلك اذهب واشتم بعيد عني. ومع الوقت تقلص عددهم تدريجياً إلى أقل من 100 واليوم أسماء كثيرة لا أذكر أني كنت أتابعها في يومٍ ما.
السلبيات:
بعد مرور السنوات على استخدامه اكتشفت نشأة عادات جديدة لديّ:
1- توقفت عن السؤال عن أصدقائي لأن لماذا أسأل عنهم وهم موجودين في صفحتي على تويتر ويكتبون عن كل ما يحدث معهم لا يوجد جديد لديهم لنتواصل! بطبعي لا أشارك ما يحدث في حياتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكنت ولا زلت الشخص الغامض بأعينهم لأني لا أسايرهم في طريقة تواصلهم التي لا تعجبني فتوقفوا عن التواصل معي. وهذا أمر جيد لأني لا احتاج لوهم التواصل والقرب هذا الذي ينشأ فقط لأن فلان لا زال يتابعك!
2- أثناء فترة دراستي الجامعية في أوقات الفراغ بين المحاضرات، كانت الفعالية الثابتة هي تحديث صفحة تويتر والتأكد من شحن بطارية الجوال حتى أتمكن من تحديث تويتر في الطريق للمنزل حتى لا يفوتني أي شيء!
3- أتذكر إحدى صديقاتي لاحظت هذا الشره نحو تويتر في منتصف محاضرة طلب منا الدكتور حينها بقراءة صفحة ما ليناقشنا بها خلال الخمس دقائق القادمة.. فأمسكت هاتفي وفتحت تويتر وقالت: مو وقت تويتر الان ليش فاتحته؟ ورديت أشوف القوائم المتراكمة! بينما الصفحة التي أمامي قرأتها في دقيقة وكتبت ملاحظاتي عليها سريعاً بكل ثقة، وهنا أمر علمني إياه تويتر القراءة السريعة السطحية تنفع للأخبار والمجلات والمقالات ليس للمواد العلمية!
4- الهاتف أصبح جزء من يدي لا أنام إلا وهو بجانب رأسي أتحجج بالمنبه والحقيقة حتى أقرأ التغريدات قبل النوم وعند الاستيقاظ بعينين مغلقة!
لم يكن تفاعلي في انستجرام أو سناب شات مثل تويتر فكان خيار تسجيل الخروج (لست من مؤيدين حذف الحسابات) وحذف التطبيق قرار سهل للغاية.
البدائل:
بعد تقليص قائمة المتابعين وحذف انستجرام وتويتر لاحظت زيادة معدل قراءتي في تلك الفترة لأني استبدلت وقتها بأنشطة أخرى. عدت للمشي بلا هدف مرة أخرى، بدأت دروس اليوغا مع أدريان وبعد انضباط لمدة شهر فكرت جدياً بأخذ رخصة تدريب، لا زالت فكرة ربما في وقت لاحق أعمل على تحقيقها. انخفض اهتمامي بالأخبار العامة والشائعات وصرت لا أكترث بما لا يؤثر عليّ فعلياً. أصبحت أكثر صلة وفهم بنفسي ووجدت وقت لبعض الهوايات وانغمست بها، تغيرت طريقتي في البحث عن الأشخاص اللذين يشاركوني الاهتمام أصبحت أبحث عنهم لأتعلم منهم لا لأشعر بالانتماء وتقليل الغرابة.
بداية تقنين الاستخدام:
في ديسمبر 2019 كانت أول مرة أسجل خروج تويتر لمدة 4 أشهر ساعدني على الأمر أني في الشهرين السابقة لديسمبر كنت منشغلة بمذاكرة بعض الاختبارات التي انتهت مدة صلاحيتها وانشغلت بتجديدها. رأيت بعدها أنني استطعت العيش باستخدام قليل لتويتر أثناء الاستعداد لها وشعرت بقيمة الوقت وعبور الدقائق والساعات وأصبحت أحدد الساعة دون أن انظر إلى الهاتف أو الساعة لأتأكد من الوقت. فبدأت بتعديل سلوكي وتقنين استخدامي بهذه المرحلة:
1- إذا حان وقت نومي أغلق الواي فاي وأتأكد أن انترنت الهاتف مغلق، لا يوجد شيء مهم لدرجة استحالة تأجيله للغد.
2- غيرت مكان الشاحن حتى لا أضع الهاتف بجانب رأسي وضعته على المكتب بعيداً عني، منها أتخلص من التصاقه بيدي ومنها إذا رنّ المنبه لا أضغط زر الغفوة بل أنهض من فراشي لأغلقه فاستيقظ.
3- أغلقت الاشعارات في البرامج حتى لا يحفزني الرقم على الايقونة بالدخول ورؤية من صاحب الاشعار المهم.. لا أحد. وضعت إصمات لكثير من مجموعات الواتساب التي أعلم أنه لا يوجد في اشعاراتها أي أمر طارئ.
4- وضعت كتاب صغير بجانب رأسي أقرأ فيه صفحتين قبل أن أنام .. تصدف أحيانا أن أقرأ كتاب الكتروني من هاتفي حينها أحرص على إغلاق الانترنت حتى أقاوم الفضول بمعرفة ماذا يحدث الآن؟
عدت إلى تويتر بحساب جديد مع بداية الحجر الصحي، لأني كنت أشعر أن الحساب السابق يحفز الإدمان وضياع الوقت عندي ونجحت الخطة ولا زلت لا استخدمه. الأشخاص اللذين أتابعهم في الحساب الجديد أفلترهم بشكل مستمر وأحاول ألا يخرج عددهم عن السيطرة. كذلك عدت إلى انستجرام لأن بعض الحسابات تقدم بثوث مباشرة أهتم بمواضيعها أتابعها وأخرج فورا.
بعض الشروط بعد العودة التدريجية :
لا أتابع مشاهير في سناب شات.. عائلتي وأصدقائي فقط وبعض الأشخاص اللذين يكرهون وسائل التواصل الاجتماعي ومهتمين بالتفكير والقراءة ومراجعة الكتب ويشاركون اهتماماتهم مرات قليلة في كل شهر.
لا أدخل أي مجموعات غير مهمة في أي تطبيق.. إذا كانوا صديقاتي متواجدات في مجموعة على الواتساب لماذا يكون فيه مجموعة آخرى في سناب شات أو غيره! تقليص المشتتات أمر مهم والانتباه للأماكن التي يضيع فيها الوقت أهم.
ولأني لا زلت على مقاعد الدراسة وتكثر الرغبة بالهرب من المذاكرة في الأوقات التي تحتاج بها إلى التركيز التام عليها من حين لآخر، قمت في نوفمبر 2020 قمت بتحديد قيود مدتها 3 ساعات للبرامج التالية: تويتر، انستجرام، سناب شات، تليجرام، يوتيوب. إذا انتهت ساعاتي المخصصة لليوم انتظر الغد وهذا كان صعب في البداية لأني كنت استسلم وأرفع القيود بعدها عزمت على الالتزام واستمريت وتلاشت رغبتي بالتحديث المستمر.
الفوائد:
اكتشفت أنه يوجد وقت كافي في اليوم إذا أحسنت تخطيطه والاستفادة منه. انتظمت مواعيد نومي وأصبحت أنام بعمق، فأركز بشكل أفضل خلال يومي فأستوعب وأكتب بشكل أكثر وضوح وترتيب. أنجز مهامي اليومية بشكل مستمر دون تأجيل. أوفر الأوقات الشاغرة من يومي أو أسبوعي للترفيه ومشاهدة الأفلام والمسلسلات كمكافأة لإنجاز مهمة ما.. جميل أن ينتظرك أمر ممتع بعد أن تنجز مهمة صعبة أو روتينية.
النهاية:
لطالما أحببت البقاء خلف الكواليس ولا أحب أن يُسلط الضوء عليّ أو أن تُحصر قيمتي كإنسان من خلال تقييم صفحاتي وما أشاركه فيها. في الوقت الذي لا يتجاوز ما أنشره فيها 5% من الأمور التي تحدث بحياتي أو تعنيني. لا يهمني إبهار الآخرين ولا أحرص عليه بقدر أهمية وجودة اليوم الذي أعيشه وأنا متيقنة أني أفعل كل ما أفعله لأجلي. أذكّر نفسي أني سأعيش حياة واحدة وأرغب بعيشها فعلياً بكل تجاربها، لا بادّعاء عيشها ولا بالمزامنة مع حيوات أشخاص آخرين يعيشونها عوضاً عنّي فأوهم نفسي بتجارب وذكريات لا تخصني.
شكرا لكل من وصل إلى نهاية التدوينة، إذا كان عندكم تجربة بالانقطاع عن مواقع التواصل الاجتماعي أو تقنين استخدامها شاركوني تجربتكم إذا أحببتم. هنا تدوينة بثينة التي ذكرتها لكم في المقدمة، لماذا حذفت جميع حساباتي في وسائل التواصل الإجتماعي؟ بإمكانكم قراءتها والاطلاع على وجهة نظرها بهذه التجربة.
كونوا بخير ..
تعليق واحد على “كيف تخلّصت من وسائل الحبس الاجتماعي”
أهلا. تدوينة جميلة ومشابهة لما كتبته منذ فترة عن تجربتي في الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي
https://axb4.com/2019/11/28/50/
إعجابLiked by 1 person