تنقلني ذاكرتي بشكل مستمر إلى أوقات ظننت أني نسيتها أو لم أكن أظن أنّها تحتفظ وتنتبه إلى هذه التفاصيل. منذ مدة كنت أتناول سلطة خضروات اعتادت أمي أن تعدّها دون تغيير لمكوناتها، ومع هذا في كل مرة يكون لها طعم مختلف ومميز! سافرت برفقة هذه السلطة إلى عمر العاشرة إلى عيد الأضحى.. وقت الظهيرة، الجو شديد البرودة والمطر يهطل بغزارة وأنا أكل سلطة في غداء العيد. سلطة تكثر بها البندورة والبقدونس والقليل من الخيار مع الملح والخل ولمسة يد أمي المميزة في إعداد كل وجبة.

لم أستطع إيقاف سيل الذكريات وذهبت وسألتها: أمي نفس المكونات الأساسية كل مرة، وهذا الطعم اللذيذ.. هذا الطعم.. لماذا طعم العيد هذا لا يظهر كل مرة؟ فسألت: طعم العيد؟! وشرحت لها الأمر وكانت لحسن الحظ قد لاحظت وانتبهت إلى ما أقصد.. فقالت: “لا أعلم سبب الاختلاف! وأنا أحب هذا الطعم وأحاول أن أثبّت الوصفة ولا أقدر.. ربما لأن كمية البقدونس أكثر من المعتاد أو لأنه طازج واليوم اشتريناه”.
بالنسبة لي لم تكن مجرد سلطة، شعرت بالدفء أكثر من أي وقت على الرغم من شدة البرد حينها، شعرت بالرغبة باللعب دون اكتراث بالمطر وتحذيرات الكبار المستمرة من المرض، حتى أنني تذكرت اللباس الذي كنت أرتديه في ذلك اليوم بنطال أحمر داكن وبلوفر وردي. أتذكر حتى العطاس في آخر اليوم نتيجة الاستجابة لنداء المرح. تذكرت حتى أحاديث العائلة التي يصاحبها في الخلفية صوت التكبير من القنوات الناقلة للمشاعر المقدسة والتي تتغير باستمرار رغبة في إيجاد زاوية نقل أفضل! يستعيد من حج ذكرياتهم ويقارنون كيف أصبح اليوم أكثر سهولة، تمنياتهم بتكرار الفريضة السنة القادمة وتوبيخهم لمن يتكاسل ولم يحج حتى هذه اللحظة!
أفكر ماذا ستكون أراءهم عن سلاسة وسهولة الفريضة الآن بالمقارنة بالوقت الذي حبستني فيه ذاكرتي قبل ثمانية عشر عام! تغيرت أشياء كثيرة ولم تتغير في نفس الوقت.. لم يحجّ المتكاسلون بعد، صار الأضحى في يوليو، ولا زالت تمطر أيام الحج. لا أعلم في أي وقت ستعدّ أمي السلطة في أيّام العيد.. وأرجو أن يكون لها نفس المذاق وأتساءل عن الأحاديث التي ستحتفظ بها ذاكرتي في هذا العيد.
كل عام وأنتم بخير.. أدام الله أعيادكم مع من تحبون أعوام عديدة وأزمنة مديدة ورحم الله وغفر لأمواتنا وأمواتكم.
تحديث: تمت إضافة صورة للسلطة المقصودة في الثاني من أغسطس، واكتشفت في نفس اليوم أنّها تحتوي على مكوّن سرّي يكسبها هذا الطعم المميز..