التصنيفات
غير مصنف

وُلِد العنقاء من رماده

في عام 2013 شاهدت مشهد في مسلسل الشمال والجنوب التركي، تقول فيه إحدى الشخصيات في يوم ميلاد ابنتها، أنها توقفت عن حساب عمرها واستبدلته بتجديد الموديل. وكما قالت:” أنا اليوم جولتان 2013 وفي العام القادم جولتان 2014 وهكذا!” في إشارة منها مثل ما الموضة تتجدد وتتغير كل عام كذلك أنا. علقت في ذهني هذه الفكرة وقلت: طالما أنها تتعامل مع يوم ميلادها بطريقتها سأجد طريقتي الخاصة في الاحتفال، ولأن هذا المشهد عرض قبل عيد ميلادي بشهرين أصبحت أفكر بالأمر جدياً حينها إلى أن وصلت لهذه الفكرة: سأسمي كل سنة باسم خاص بها يلخص أحداثها لي في جملة، في محاولة لاختراع تقويم سنوي خاص بي، هذا ما اعتدت على فعله منذ ذلك الوقت، وربما في وقتٍ لاحق أشارك عناوين الأعوام الماضية.

وُلِد العنقاء من رماده..

هذا هو العنوان الذي اخترته لعامي الذي بدأ في الثلاثين من يونيو 2020 وانتهى في التاسع والعشرين من يونيو 2021. يبدأ العام بيوم ميلادي وينتهي في اليوم الذي يسبقه من العام القادم. اخترت هذا العنوان في فبراير 2021 بعد أن رفعت عيني للسماء ووجدت السحب مشكلة صورة للعنقاء فارداً جناحيه وقت الغروب.. التقطتها فوراً! هذا هو المعنى الذي كنت أعيشه، كنت أشعر بأشياء كثيرة تحترق في روحي وكأني محبوسة في شرنقة وانتظر لحظة الانسلاخ، في نوفمبر قلت لنفسي: ربما طائر الفينيق يحوم في الأرجاء وعندما رأيته في السحب تأكدت من الأمر.

جولتان اختارت تجديد الطراز لرفضها حقيقة التقدم بالعمر، وأنا اخترت طريقة عنوان السنة لأني أشعر بضرورة الاحتفاء بالحياة وأن كل يوم أعيشه يعني شيئاً ما، حتى لو لم أفهم معناه حينها. بالإضافة إلى أني أشعر أحياناً في نفس اليوم أنّ عمري ثلاثة أعوام لي نفس فضول ومرح الأطفال، وأحياناً أشعر أنّ عمري ثمانين عام لا أكترث بشيء وأهم ما في يومي شرب قهوتي قبل أن تبرد، وأجد صعوبة في توضيح هذه الفكرة للآخرين لكن روحي فعلاً لا يسعها إطار العمر.

في هذا العام، عدت لمشاهدة أنمي ون بيس بعد أن تركت مشاهدته لعامين بعد مئتين حلقة وذلك بعد أن قامت خالتي العزيزة بحرق حدث مهم عليّ بالخطأ! تصالحت مع الموضوع وقلت أنا أوصيتها بمشاهدته وسبقتني بمتابعته فمن البديهي أن تتوقع أنني وصلت في الحلقات مع البث المباشر. تابعته بنهم الصيف الماضي، تعلمت عزف موسيقى البحارة على كيبورد شقيقتي التي أهملته بعد شهر من شرائه.

بفضل كل شخصياته الرائعة تذكرت العديد من صفاتي التي نسيتها أو ربما دفنتها الأيام. والأهم من تذكرها هو استعادة الأسباب التي ثبطت الحياة في عروقي لمدة ليست بالقليلة. لم يكن ون بيس وحده هو المحفز على هذه اليقظة، بل ناروتو كذلك، تابعته في 2018 بعد أن أنتهى واكتملت حلقاته، شاهدت بدايتهما ثم قررت متابعتها بعد أن تنتهي السلسلة.. لا أتحمل مشاهدة حلقة كل أسبوع لأكثر من خمسة عشر عام! ومع هذا غامرت وتابعت ون بيس قبل أن ينتهي.

كان الأمر أشبه بنداء قادم من طفولتي يحاول إيقاظي من سباتٍ ما ويذكرني بماهيّتي.. فتح عيني على الكثير مما كنت أتعايش معه والحقيقة أنها سموم تنهش في روحي. خسرت الكثير وكسبت نفسي، أو لأقول تخففت من الكثير لأن كلمة خسارة كبيرة جداً في وصف الثقل الذي زال عنّي. أمور زائفة، علاقات هشة، أوهام، مخاوف والعديد من الأمور والمعاني التي لم أعد أعوّل عليها. نفضتها عني وأشعلت بها النار ولا أنوي أو أرغب في أن أؤسر لها مرة أخرى. هذه ليست المرة الأولى التي أحيي نفسي بها من الركام فعلتها أكثر من مرة.. لكن هذه الطاقة التي تحركني وتدفعني للحياة شعرت بها مرتين فقط.

في هذه السنة سمحت لسعادتي أن تمتد إلى من يحب رؤيتي مطمئنة ومبتسمة، ومنعت امتدادها إلى من اعتاد أن يكدر صفوي بأي شكل. توجد أشياء كثيرة لا تزال تبهجني وتدهشني وتجعلني أقفز وأجري وأصرخ من الفرح لكن تعلّمت إلى من أركض وأشارك الفرح. فشكراً لخيبات الأمل في السنوات الماضية على هذا الدرس. لم استسلم أمام أي موقف اختبرت فيه الظلم أو الاستبداد أو الأذى، وبنفس الطريقة سمحت لغضبي أن يمتد إلى من يتعمد اختباره، وإلى من يتعامل مع تغافلي عن اساءاته بزيادتها. لا يوجد شيء مضمون وأبديّ ومهم جداً أن تعرف حدود تحمّلك لأن لنفسك عليك حق.

اليوم ليس عيد ميلادي فحسب.. بل يوافق يوم أربعاء وهو اليوم الذي أحب واليوم الذي ولدت فيه. وعلى الرغم أنني ولدت بالصيف لكن كل ما أحبه بالصيف هو المكيف الذي أدعو لمخترعه العبقري بالجنة كل يوم.

كتبت كثيراً هذه السنة سواء في مدونتي هنا أو في مدونتي الورقية، أو للتكاليف الدراسية أو مع مرجع التدوين العربي.. أعتقد أن عدد الكلمات التي كتبتها هذه السنة تجاوز الخمسين ألف كلمة! تصفحت بعض ما كتبت واستعدت نفس المشاعر مرة أخرى.. الراحة، الأمل، الطمأنينة، الهدوء، الغضب، الحنق، الحزن، الإحباط، الإنجاز، والثقة. وأهم ما أدركته بفضل القراءة لما كتبت، أن كل شيء صعب ينتهي، ولدي قدرة رهيبة على التجاوز والنسيان متى ما أردت، لم أكن أعلم عنها مسبقاً.

أجيد التغافل والتجاهل لكن التجاوز له طعم رائع ومختلف، يشبه صوت إفراغ سلة المحذوفات.. مكان نظيف وشاغر يتاح لأشياء أكثر أهمية. وذاكرتي قوية، فما كنت أعتقد أنّ النسيان ممكن وله هذه الخفة على العقل والروح والجسد. انتباه الإنسان وملاحظته لنموه، وتطوره، وتغيره أمر عجيب ومدهش! اتساع في الذهن، تقبل وتسامح مع النفس، هذه هي حقيقة الحياة نمو وتجديد مستمر.

يقول لوفي للجميع بأنه سيصبح ملك القراصنة، يواجه كل من يقف في طريقه، حتى لو هزم، جرح، كسر.. يقف مترنحاً بقوى خائره لأن روحه لا تنطفئ ولا تقبل الاستسلام، والأهم أنّ النجاح والإنجاز لا يغير من حقيقته شيء. شخصية لوفي ذكرتني بجملة قالتها لي إحدى صديقاتي منذ أكثر من عشر سنوات بعد أن استسلمت لإحدى هزائمي:

“أنتِ عنيدة.. وهذا الإصرار والعزيمة هي ما تحتاجينه لتحقيق أي حلم”.

أيقظني نداء لوفي القادم من طفولتي وأحيا روحي، وعدت أنظر بعينين مليئة بالحماس والحيوية والشغف والتحدي والإصرار للمستقبل، لأن وقودي يأتي من الداخل. لذلك أنظر لعامي الجديد وأيامي القادمة بحب وترحيب لكل الخير، والرزق، والوفرة، والهدوء، والطمأنينة، والإنجاز، والسلام.

2 replies on “وُلِد العنقاء من رماده”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s