التغيير من أهم العلامات التي تثبت لك أنّك على قيد الحياة، لا يمكن للإنسان أن يعيش في حالة ركود تام مهما كان الروتين الذي يتبعه في يومه. ربما هذا الثبات قد يكون في جانب واحد من الحياة وبقية الجوانب تنمو وتتطور طبيعياً، حتى إذا كنت لا تلحظ أثر هذا النمو على نفسك فهو يحدث دون أن تعي وجوده.
في كل لحظة ألاحظ بها تغيّري في أي أمر، أحاول أن أوجّه انتباهي إلى أن التغيير دليل على السريان، المرور، الحركة، والحياة. وأن الركود ليس بالضرورة أن يكون علامة على الرسوخ والثبات، لأنه كذلك بيئة ملائمة لنمو العفن.
لا أحب سماع كلمة تغيرتِ التي تليها نبرة استنكارية متعجبة! ما الغريب في أن أتغير؟ أتود لي الركود والثبات كمعلم أثري حتى تطمئن على أني لم أتغير؟ حتى المعالم الأثرية تفقد قدرتها على المقاومة في وقت ما، وتسلّم نفسها إلى اللحظة وتسقط. سقوطها تغيير، ترميمها تغيير، وإعادة بناءها كذلك تغيير.
لا أعلم سبب شيوع هذه النمطية السلبية تجاه التغيير ولماذا يقابل باستغراب دائماً؟ حتى في اللحظات التي أمسك فيها بنفسي تنتقد تغير أي شخص، أحاول بعد سجال مستمر بيني وبين نفسي تذكيرها أن التغيير قرار شخصي ينبع من الإنسان لأمر هو يعلمه ويريده أكثر منّي، ولا يحق لي أن أصدر أحكام على اختيارات وتفضيلات شخصية لا تعنيني وأثرها لا يمتد لي. وإذا كنت أستطيع رؤية تبعات أي فعل يعجبني أو لا، فهذا لأنني مررت بتغيرات كثيرة أعطتني الخبرة لأخمّن النتائج مسبقاً ولن أقوم بتوجيه أو تعليم أي شخص متيقن من أي أمر دون أن يطلب، حتى لو كانت مبادرتك من نية طيبة فهي لن ترى ولن تقدّر. بهذا الشكل عوّدت نفسي على عدم الاكتراث بمراحل تغيير الآخرين، ليس لأني لا أهتم لهم، بل لأني مدركة تماماً إذا وجد لي دور في هذه الرحلة سأتواجد في المكان والوقت المناسب.
توقفت عن مقاومة التغيير منذ عام ونصف تقريباً في أمور محددة، كنت أرى أنّها تعيق حياتي ولم أمتلك حتى الشجاعة لأقول لنفسي: توقفي .. لم تعد تصلح لك. كنت أعتقد أن باستطاعتي حبس الزمن وإيقافه إذا صمدت ولم أتغيّر، لكن الحقيقة أنّك تبقى في مكانك والزمن يقفز من فوقك ويتخطاك ولا يقف ولو للحظة لأجلك. أذكر أنني شعرت بارتياح شديد بعد أن جلست بصدق مع نفسي وقلت: لا يمكنك تغيير هذه الحقيقة ولا يمكنك العودة بالزمن وكل الذي بيدك أن تدركي الأمر لتتخلصي من قوة هذه المقاومة وتسمحي للنهر بالجريان، وفعلت.
عدت بذاكرتي لنسخة أكثر استقراراً من نسختي في ذلك الوقت وسألتها: كيف؟ أرشديني! أنتِ أكثر شخص يعرفني وأثق بك! ودلتني إلى ما احتجت، واستجبت. كان الأمر أشبه باستعادة توازني عبر اللجوء لبوصلتي الداخلية، أغلقِ عينيك وتنفسي بعمق واسألي بصدق وستجدين الإجابة أمامك. وكنتيجة للتكيف مع جوهر التغيير، وإدراك أنه ليس بالضرورة أن يكون للأسوأ، حسمت أكثر من أمر عالق، وذُهلت أن كل ما خشيته لم يحدث.
طبيعي جداً أن تكون مرن وسلس في بعض جوانب الحياة وفي بعضها أشد صلابة من الصخر، كل هذا يعتمد على نوعية التجارب التي مررت بها. لذلك في كل مرة تلاحظ بها تغيير أي شخص وتبدأ أفكار الاستنكار، الاستغراب، أو التعجب تدور في عقلك، تذكر أنّ هذه هي طبيعة الحياة وعدا ذلك عدّ نفسك من الموتى. التخلص من العوالق النفسية أو المادية يفسح في روحك مكان لتجارب وخبرات حياتية جديدة .. فرحّب دائماً بالتغيير.