تعصف في وجهه الرياح، تتراكم عليه الأتربة، يختفي تحت كل ما حملته معها من أوساخ، في كل مرة يحاول الخروج يُدفن أكثر. كان يظن أنه محبوس لأمر شخصي، توقف عن الظنّ وأصبح متأكداً من هذه الحقيقة!
لا يعلم كم هي المدة التي قضاها أسفل هذا الركام، أو كيف تأقلم وعاش في هذا الظلام. ما الذي أيقظه وألح عليه بالمحاولة لمرة أخيرة. هل للنهاية شعور محدد قبل أن تبدأ؟ أو رائحة معينة تعرف بها؟ هل تسبقها أحداث تمهد قدومها؟ أم أن النهاية تميّز بأشباهها من النهايات؟
لم يتخل عن المحاولة، هذا الحل ليس متاحاً له. وصل إلى نهاية العمق، لا يوجد فراغ يهرب إليه. النهوض أمر حتميّ عليه الآن، وصل إلى آخر العمق فأجبر على الخلاص منه بهذا الخروج. تدفعه ظلمة هذا العمق خارجها. تتحرك الطبقات وتتزحزح مكوناتها لتملئ مكانه كلما صعد للأعلى. لم يتوقف لالتقاط أنفاسه أبداً، خروجه من هذا المأزق كان سهل وانسيابي.. لا يوجد حبل مخفي يربطه للأعلى ولا عتبات سلم تكونت بفعل الضغط ليستخدمها بالصعود للسطح. كل ما كان يفكر به أثناء خروجه، أنّه لم يتبق له شي يخسره.. سيتشبث بهذه الفرصة حتى يتخلص من هذا الضيق.
تكرر في باله سؤال أثناء رحلته للخارج.. لماذا حبس؟ هل سيجد إجابة يبرر بها لنفسه ذلك الضياع.
وصل إلى سطح العمق، نفض غباره عن جسده ونظر إلى المكان من حوله. لا يألف الخارج، لأول مرة يرى هذا المظهر! لا يذكر وجوده من قبل، استمر في النظر من حوله.. رأى شجرة السنديان، عرفها، هي ذات الشجرة التي احتمى تحتها من العاصفة، وهي ذاتها التي ابتلعته بعمقها. نظر إليها مطولاً ثم تنفس واقترب من جذعها.. مسح عليه وقال: لماذا؟ سقط أحد فروعها عند قدميه.. ففهم. نسى جذوره حتى أسرف بالطيران، لم يكن أبداً يضع قدمه على الأرض أثناء مشيه. ودّعها، ووقف بثبات ومضى في طريقه راسخاً.