التصنيفات
#تحدي_التأمل

هرب

يقف أمام المرآة يغسل وجهه ويسرح شعره، يعدل هندامه ويتحاشى رؤية عينيه باستمرار. يجب أن أقف بهذا الشكل وأنظر بذلك الاتجاه حتى أبدو بأفضل مظهر. هذا هو روتينه اليومي في كل صباح، حتى هروبه من عينيه يتكرر بنفس الطريقة، نظرة سريعة إليهما يتأكد بها من وجود حاجبيه فوقهما، دون أن يراهما فعلاً.


في السابق كان يحب إطالة النظر إلى عينيه، يراقب لمعتها في كل رمشه ومع كل حركة. أنظر بهذا الشكل حين أفرح وهكذا حين أغضب وعند البكاء تغلق عيناي تماماً من شدة الحزن. حتى انتبه في أحد الأيام أنّ لون عينيه غريب.. ليس أسود وليس بني.

فقرّب وجهه إلى المرآة أكثر لينظر لهما جيداّ محاولاً أن يحدد لونهما. يتأرجح اللون بشكل مستمر لا يستطيع أن يراه أو يميّزه لا يعلم هل هذه الصعوبة بسبب الإضاءة الخافتة أم من المرآة. أشعل المزيد من الضوء، اقترب مجدداً وهو يأمل أن هذا التغيير سيصنع فرقاً يمكنّه من معرفة لون عينيه. رأى نسخة صغيرة منه تجلس داخل بؤبؤ عينه. ابتعد عن المرآة سريعاً من شدة الصدمة، وقف مذهولاً، أغمض عينيه وفتحها مراراً ليستفيق ويستوعب حقيقة ما رأى. اقترب مرة أخرى إليها ونظر محدقاً في عينيه، فرفع له يده الصغيرة ملوحاً: مرحباً.. أين كنت طوال هذا الوقت؟ لماذا تركتني هنا وحدي؟! سئمت من انتظارك كل يوم! ألم يحن الوقت بعد لنستبدل الأماكن؟

استغل هدوءه وخرج فوراً من المرآة ممسكاً كتف نظيره بشدة خوفاً من أن يغلق عينيه ويفقد فرصته في الهرب. وقف مكانه وابتعد عن المرآة، حبسه في عينيه ثم قال: لا تقلق، سأعود بعد مدة.. لم يحددها له. بقي الأصل في سجنه السابق منتظراً مجيئه كل يوم. ويقف النسخة كل يوم أمام المرآة، يغسل وجهه ويسرح شعره.. واستمر في تجاهل عينيه للأبد.

تمت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s