ألسنة متعددة

لطالما كانت اللغات نافذة تصل من خلالها لطرق تفكير جديدة. كل لغة تحمل معها مسار فكري مختلف عن الأخرى. تساعدك في اكتشاف دهاليز جديدة في عقلك. تختلف طريقة تفكيرك ورؤيتك للأمور من حولك بحسب اللغة التي تقرأ أو تتحدث بها. كأن تفكر بطريقة علمية ومنطقية وأنت تقرأ بالإنجليزية لأنها اللغة التي درست وتعلمت بها العلوم، بينما يراها متخصص الآداب واللغات لغة شاعرية، عذبة ورقيقة لأنه قرأ شكسبير بواسطتها.

قد تتغير شخصيتك بحسب اللغة التي تنطقها، كأن تكون شخص عفوي، صحبته خفيفة على القلب مع أصدقائك الذين يتحدثون بلغتك الأم، بينما يراك زملاؤك بالعمل ممن يتحدثون لغة أخرى كشخص جدّي ومسؤول. بحيث أن أصدقائك لا يصدّقون هذا الجانب منك ولا زملاؤك يصدّقون الجانب الآخر منك. نعم قد تختلف سماتك الشخصية باختلاف المكان (المنزل، مع الأصدقاء، العمل) وهذا أمر طبيعي بالطبع. بينما الاختلاف الذي يصاحبه اختلاف اللغة يكون واضح وملموس ومشاهد. وكأنّك تتحول إلى شخص أخر لاختلاف اللغة التي تتحدث بها. تساعدك اللغات في اكتساب مهارات مختلفة كأن تكون مفاوض ومناقش جيّد بلغتك الثانية وتكون لطيف وتتنازل عن الكثير لأجل من حولك لأنك تتحدث معهم باللغة التي نشأت عليها وتشبعت روحك بها. تعلمك اللغات كيف تكون مرناً، كيف تتقبل اختلاف الآخرين عنك وتُوجد نقطة مشتركة تتواصل من خلالها معهم. تعلمك كيف تكتسب صفات جديدة، تحسن من صفات تمتلكها، وتساعدك على إبصار عيوبك وتغييرها. تصبح بعدها على معرفة كافية بنفسك لا يغّير من حقيقتك تغيير لسانك.

اللغات مثل المرايا، تريك نفسك في صورٍ متعددة من زوايا مختلفة، وكل ما عليك أن تجمع هذه الصور معاً في إطارٍ واحد. أن تتحدّث بلغة واحدة يعني أن تفكر بعقلِ واحد وأن تتحدّث لغتان يعني أنّك تفكّر بعقلان وقس على ذلك. طبيعي أن يكون لك رأيان مختلفان في موضوع محدد وقد يتطور الأمر إلى مناقشة جادة بين أصوات لغاتك التي تتقنها، كل منها يرى أنّه على حق وجميعهم على حق ولن ينتهي هذا الجدال بينهم أبداّ. ستجد نفسك في الأخير تتخذ حلّاً وسطا باستخدام رأي كل منهما في المكان الذي يلائمهما، قد يكون هذا حلّ ازدواجي ولا بأس فيه في سبيل الوصول لسلامٍ ذهنيّ بينهما.